منطق الحركة والسكون
منطق الحركة والسكون
بقلم الأستاذ المهندس:
أسامة حافظ عبدو
إن الرب عندما أراد التجلي نطق من الصمت فأبدع الكلمة بدليل قول سيدنا المسيح (ع): (في البدء كان الكلمة)، وقد عبر أهل المنطق العلوي عن هذه الكينونة بالنطق من الصمت والحركة من السكون، وهذه الكينونة تعني إبداع المكان.
فالآخرون كبرت عليهم آية النطق من الصمت والحركة من السكون دون وجود المكان أصلاً، فظنوا أن الرب في مكان القدم، وأنه أوجد مكان الحدث منه، فكانوا حلوليين بذلك لأن الرب لا يخضع للمكان ولا الزمان، بدليل قول المعلم الأول أرسطو: (المحرك الأول ليس في مكان ما، لأنه ليس جسمًا، ولأنه ليس بحاجة إلى مكان معين)، وكذلك قول الإمام علي (م) حين سئل: أين كان الله قبل أن يخلق المكان؟ فقال (م): (سبحان من لم يخلق المكان لفاقته إلى المكان، والله غني عن المكان إذ كان ولا مكان).
ولكن ما التبس على الآخرين أنهم عاينوا الحركة ولم يعاينوا السكون، والحركة تحتاج المكان والزمان لقول المعلم الأول أرسطو: (لا حركة من غير مكان وخلاء وزمان)، فظنوا أن الرب احتاج للمكان والزمان ليحرك السكون، وغفلوا عن قول المعلم الأول أرسطو: (ليس بين التحرك والمحرك وسط أصلاً).
وبهذا انقسم الآخرون إلى قسمين: القسم الأول هم المعطلون الذين أثبتوا على الرب ماهية السكون ونفوا عنه ماهية الحركة، والقسم الثاني هم المشبهون الذين أثبتوا عليه كلا من ماهية السكون وماهية الحركة.
إلا أن منطقنا العلوي يرد عليهم دومًا لأنه ينطلق من تعاليم الإمام علي (م) الذي يقول في خطبة له: (لا يوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون، ولا بالقيام قيام انتصاب، ولا بجيئة ولا بذهاب)، وذلك لأن السكون والحركة من نسبة الأعراض والماهيات لا من نسبة الجوهر، وهي سمات تضاد وجودية لقول المعلم الأول أرسطو: (إن السكون هو ضد الحركة)، ومن المعلوم أن الأجسام لا تخلو من السكون والحركة، وطالما أن الأجسام محدثة فالسكون والحركة سمات محدثة أيضًا، لذلك لا يجوز أن تقع على الجوهر لقول الإمام علي (م): (لا يجري عليه السكون والحركة، وكيف يجري عليه ما هو أجراه، ولو جرى عليه لتفاوتت ذاته ولتجزأ كنهه).
فالرب لا يوصف جوهره بسكون ولا حركة ولا زمان ولا مكان لأنه مسكن السكون ومحرك الحركة ومنشئ الزمان ومكون المكان. وهو منفرد بجوهره قبل التجلي عن السكون والحركة لأن السكون والحركة سمات محدثة لا يمكن أن تكون ماهيةً لجوهر الرب، بدليل قول المعلم الأول أرسطو: (واجب ضرورةً أن يكون المحرك الأول محركًا أحدًا أزلاً).
الأستاذ المهندس: أسامة حافظ عبدو
لتحميل نسخة بتنسيق PDF انقر هنا
حياكم الله ربي على هذا المقال وهذا التوضيح الفريد
بوركت