منطق التوحيد العلوي
منطق التوحيد العلوي
بقلم الأستاذ المهندس:
أسامة حافظ عبدو
إن منطق التوحيد العلوي قائم على الإثبات والنفي، فالإثبات دليل على التجلي، والنفي إفراد عن التحديد والتقييد، ومن صفات السالك الإقرار بإثبات التجلي وإفراد جوهر المعبود عن الهيئات، فأهل التصديق بعد إثباتهم لوجود المتجلي نزهوا جوهر التجلي عن جميع ما يتعلق بمصنوعاته، وهم السالكون الموصوفون بالإخلاص.
وللتجلي مقامان هما:
الأول: مقام التجلي المشهود:
هو كما توحيه التسمية تمامًا، أي الدوام المعاين الذي يستحيل عدمه. وهذا بحث إلى جانب دقته تثبته وتؤكده إشارتان أساسيتان: الأولى: وجود النص الصريح المتضمن الحجة القاطعة، والأحاديث القدسية المرتفعة عن الاحتجاج، وهذا مذخور في قلوب أرباب الحجور. والثانية: إشارات السادة العلماء من أهل الشهود إلى التجلي المشهود لمن كتبت له الهداية. وهذا المقام أشار إليه سيدنا المسيح (ع) بقوله: (الحق الحق أقول لك: إننا إنما نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا ولستم تقبلون شهادتنا، إن كنت قلت لكم الأرضيات ولستم تؤمنون فكيف تؤمنون إن قلت لكم السماويات).
الثاني: مقام التجلي المعلوم:
لما كان عالم الملك محتاجون إلى وجوده ليفهموا عنه، فمن عدله ولطفه تجلى ليفهموا عنه أمره ونهيه، ويثبتوا عيانه ومعرفته من دون حلول ولا اتحاد. وأهل الصدق هم الذين عرفوا التجلي المعلوم للحق، المرئية آياته في الأفق، وذلك نعمةً ورحمةً وبحسب الاستحقاق لثبوت الحجة وإيضاح المحجة، لقول سيدنا المسيح (ع): (طوبى لأصفياء القلب لأنهم يعاينون الله).
وكل من أتى بمقالة تدل على وجود التجلي المعلوم ولا تدل على وجود التجلي المشهود يكون تأويله محرفًا عن ميزان الحق.
ومن الأدلة الواضحة على إفراد جوهر واجب الوجود هو تغير الجواهر والأعراض، فتغيرها بحكم انتقالها من حالة إلى أخرى يقضي التبدل والتغير والتحول لها لا لجوهر واجب الوجود، فالجواهر والأعراض متغيرة تصلح للعدم والوجود، وكلما تساوى فيها العدم والوجود احتاجت في وجودها إلى موجد يستحيل عدمه، وواجب الوجود لا يقبل النفي لذاته، وهذه الجواهر والأعراض المثبت تغيرها وانتقالها تحتاج إلى من لا يقبل التغيير، وبتعبير أوضح: الجوهر قائم بذاته قبل التجلي، منفرد عن حدود الإيجاب والسلب.
الأستاذ المهندس: أسامة حافظ عبدو
لتحميل نسخة بتنسيق PDF انقر هنا