منطق التفكر والحيرة
منطق التفكر والحيرة
بقلم الأستاذ المهندس: أسامة حافظ عبدو
إن الواقف على نصوص الشرائع والطرائق بعيد عن أهل المنطق العلوي الذين يعتنون بفهم المعاني والحقائق، لأن الأبحاث اللفظية والهيئات الكتابية والألفاظ الصورية لا تكفي لبلوغ المقصد الأقصى والمنزل الأسنى، بدليل قول سيدنا المسيح (ع): (إنه في الأنبياء مكتوب أمثال كثيرة لا يجب أن تأخذها بالحرف بل بالمعنى).
والكثير من نصوص الكتب السماوية والأقداس القدسية أشارت إلى التجلي، لكن المعطلين زعموا أن الرب ممتنع التجلي فأنكروا الوجود وعطلوا التجليات، والمشبهين شبهوا الرب بالمربوب، وجعلوا الأعراض حقيقةً وماهيةً للجوهر، فأوقعوا الرب تحت حد الكيفية والماهية، وهذا هو الكفر لأن من زعم أن الرب حل في الأشياء فقد جعله محدودًا، ومن جعل له ماهيةً فقد شبهه، والإمام علي (م) يقول: (أشهد أن من ساواك بشيء من خلقك فقد عدل بك، والعادل بك كافر).
إن منطقنا العلوي يقر بالتجلي لإثبات وجود الرب، ثم يفرد الجوهر عن كل الأعراض لأن كل عرض مدرك ومحدود، بينما يخرج منطقنا العلوي الجوهر عن حد الشرك التشبيهي وحد الإنكار التعطيلي، لأن الآخرين لا يخرجونه عن هذين الحدين بل يزعمون أنهم يدركونه ويحصرونه عندما يشبهونه بالخلق.
وقد قال الإمام علي (م): (من تفكر في ذات الله ورجع بنفي فذلك معطل، ومن تفكر في ذات الله ورجع بصورة فذلك مجسم، ومن تفكر في ذات الله ورجع بحيرة فذلك موحد)، وهذه الحيرة في منطقنا العلوي تعني أن جوهر الرب قبل الخلق أعظم وأجل وأكبر من كل الأدلة العقلية والحسية، لا يقع تحت الإدراك ولا تحت الحصر، كان ولا مكان ولا زمان إذ لا تسعه الأمكنة ولا تحصره الأزمنة، ولا يتصور بالأوهام ولا يدرك بالأفهام، علا عما يصفه به الواصفون، وتعالى عما يتكلم به المتكلمون، لا شبيه له ولا نظير يشاكله ولا مثيل يعادله، ولا يقع عليه اسم شيء من الأشياء.
الأستاذ المهندس: أسامة حافظ عبدو
لتحميل نسخة بتنسيق PDF انقر هنا