المنطق في التفسير العرفاني
المنطق في التفسير العرفاني
بقلم الأستاذ المهندس: أسامة حافظ عبدو
إن من نعم الرب علينا أننا أعطينا للحكمة في فهم المنطق العلوي مجالاً أوسع مما أعطاه الآخرون، امتثالاً لقول الإمام علي (م): (لا عقل كالتدبير، ولا علم كالتفكر)، وكل ذلك يثبت أن لنا منطقًا خاصا نابعًا من الكتب السماوية والأقداس القدسية، وأننا لسنا مستندين في منطقنا على أي مذهب آخر.
فهناك فوارق موجودة بيننا وبين الآخرين، لأن الأنبياء والرسل (ع) هم منبع أصول العقائد والفلسفة عندنا، وعنهم أخذ سادة المنطق العلوي عرفانهم السامي الذي اعتبر الحجر الأساس لمنطقنا، وأهم هذه الفوارق أن منهجنا يعرف بالتفسير العرفاني لا بالمنطق المادي الشكلي السطحي.
إن التفسير العرفاني علم عظيم النفع، ولكن الخلط الكبير الذي وقع من قبل أهل القشور أوجب لهم الحرج والمشقة والتكليف بما لا سبيل إليه، فالشرائع في أعلى مراتبها لا تصل لجوهر المنطق العرفاني، لأن مبناها وأساسها على الأحكام المتناقضة، ولذلك لم تكن الشرائع مطلقةً أبدًا، بل تنوعت واختلفت لكي تتم الحجة في كل زمان لما هو أصلح في التعليم نتاجًا وأنجح في التقويم علاجًا.
كذلك فإن نصوص الكتب السماوية والأقداس القدسية عندنا ليست محمولةً على القشور؛ إنما لها إشارات خفية توصل لدقائق تنكشف على أرباب السلوك، فالتفسير العرفاني يؤكد كون القشور سرابًا، ولكنه يقول: إن في هذه العبارات إشارات إلى معان خفية تفهمها ثلة من أولي الألباب، الذين يرفضون كون القشور حقيقة، ويأخذون بما يثبت أن التفسير العرفاني حاصل، استنادًا لقول الإمام علي (م): (التفكر في آلاء الله نعم العبادة)، فنحن لا نحصر العبادة بقشور شكلية جسمانية بل نتدبر في الحقائق عند إقامة العبادات، لأن من يقيمها بشكلها دون التفكر بمعانيها يقع فيه قول سيدنا المسيح (ع): (الحق أقول لكم: إن الذي يذهب ليصلي بدون تدبر فكأنه يستهزئ بالله).
فالتدبر والتفكر عندنا هو دليل المعرفة لقول الإمام علي (م): (من تفكر أبصر)، وذكر الإبصار في القول يثبت معاينة التجلي، لأن الإبصار دليل المعرفة والشهود بدليل قول سيدنا المسيح (ع): (لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضًا. ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه) فقال له أحدهم: (يا سيد أرنا الآب وكفانا)، فأجابهم: (أنا معكم زمانًا هذه مدته ولم تعرفني! الذي رآني فقد رأى الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب؟)، فالآخرون يتوقفون عند التوهم، أما نحن فنعاين التجلي ونتكلم بمنطق الرسل سالكين صراط الحق المستقيم في العبادة.
فالعرفان في منطقنا العلوي مبني على الشهود أولاً، بدليل قول الإمام علي (م): (أول الدين معرفته)، لكن هذا لا يعني الحلول، لأن الحلول يقتضي التجسيم والتشبيه، والرب ليس جسمًا لتتركب عنه الأجسام لقول الإمام علي (م): (لطيف لا بتجسم)، وليس له حد ولا يقع تحت العدد لقول الإمام علي (م): (لا يشمل بحد، ولا يحسب بعد)، أي أن المعقولات والمحسوسات لا تليق بالرب قبل التجلي لأنه قبل الحدود، لا شبيه له ولا ضد ولا ند.
الأستاذ المهندس: أسامة حافظ عبدو
لتحميل نسخة بتنسيق PDF انقر هنا