الأول والآخر في المنطق العلوي
الأول والآخر في المنطق العلوي
بقلم الأستاذ المهندس:
أسامة حافظ عبدو
إن جوهر الرب قبل التجلي منفرد عن سمة الأولية وعن سمة الآخرية، لأنهما من نسبة الأعراض، وسمتان من سمات الأول والآخر، وهي سمات لها بداية ونهاية.
والعرفان في منطقنا العلوي هو الإقرار بأن الرب فرد في أزليته لا ثاني معه ولا شريك له، وليس لجوهره نوع ولا جنس ولا كيفية ولا ماهية، بل هو خارج عن هذه الحدود، لذلك لا تقع الأولية والآخرية على جوهر الرب، فلو وقعت على جوهره الأولية لوقعت عليه الآخرية حتمًا، وهما سمتان منسوبتان إلى عالم السلوك لا إلى جوهر الرب، ولكن الرب يوصف بالأولية والآخرية بعد التجلي لأن كل سالك يعاينه من قبل نوعيه، لقول الفيلسوف الأعظم أفلاطون: (الإنسان معيار الأشياء برمتها).
فإذا كانت سمات التجلي الأولية والآخرية تنال، فإن جوهر الرب لا ينال لأنه بحقيقته لا موسوم ولا محدود ولا مدرك ولا معاين ولا يوصف بشيء من الأشياء، وهذا ما عبر عنه نبي الله الأعظم إشعياء (ع) بقوله: (إن رب الأرباب عندنا إله الآلهة، الخالق لكل شيء، ليس هو ممن يدخل عليه “ما”، ولا “في”، ولا “قبل”، ولا “بعد”، ولا “عند”، ولا “إلى”، ولا “من”، ولا “كم”، ولا “عن”، بل معنى المعاني وغاية الغايات وكل الكليات).
والسالكون لا يعلمون شيئًا من حقيقة جوهره، لأن جوهر الرب ليس له ابتداء ولا انتهاء، بدليل قول سيدنا المسيح (ع): (أعترف بك إلهنا الأحد الذي ليس لك من بداية ولا يكون لك من نهاية).
فالتجلي المعاين تقع عليه الأولية والآخرية، بينما لا تقع على جوهر الرب لأنه منفرد عن التنوع والتغير والتحول، وهو ما أشار إليه الإمام علي (م) بقوله: (الأول لا شيء قبله، والآخر لا غاية له).
ولو كانت الأولية والآخرية ماهيتين لجوهر الرب لكان يثبت عليه التحول من حال البداية إلى حال النهاية وبالعكس، وسيكون في جواز هذا التحول زوال جوهريته وثبوت عرضيته، وهو ما سيجيز نسبته إلى العدم تعطيلاً وإنكارًا أو إلى الحلول تشبيهًا وشركًا، وهذا محال في منطقنا العلوي.
الأستاذ المهندس: أسامة حافظ عبدو
لتحميل نسخة بتنسيق PDF انقر هنا
الله يطيب عيشك ويزيدك علم ومعرفة ياسيدي الفاضل
عيشك طيب