بدعة التجسيم
بقلم: الدكتور أحمد أديب أحمد
هل تقصدُ العلويَّةُ النُّصيريَّةُ بتجلِّي اللهِ نزولَهُ في الأجسامِ؟
إنَّ عقيدَتنا العلويَّةَ النُّصيريَّةَ الحقَّةَ حُورِبَتْ عبرَ العصورِ لأنَّها كانَتِ الرَّائدةُ في مواجهةِ أهلِ التَّجسيمِ والتَّعطيلِ، وبما أنَّ الأسئلةَ الْمُشَـكِّكَةَ لا تَنتهي، فإنَّنا مُلتَزِمُونَ بالإجابةِ بشكلٍّ دَوريٍّ عليها لإيضاحِ الحقيقةِ العلويَّةِ النُّصيريَّةِ الصَّافيةِ.
لقد اختلطَ الأمرُ على الحشويَّةِ والْمُقصِّرَةِ والْمُرتدِّينَ الخَوَنَةِ فاتَّهمونا بأنَّ تجلِّي اللهِ عندَنا يعني حُلُولَهُ فـي الأجسامِ!! وهذا محالٌ. لكنَّ السَّطحيَّةَ التي اعْتَادَوا عليها في تناولِ الأمورِ الدِّينيَّةِ جَعَلَتهم لا يَفقهونَ معنى التَّجلِّي، ولا يَفهمونَ دلالاتِ السُّورِ العظيمةَ في القرآنِ الكريمِ، وكأنَّما وقعَ عليهم قولُهُ تعالى: (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون).
إنَّ التَّجلِّي في فكرنا العلويِّ النُّصيريِّ هو للبُرهانِ على وجودِ الحقِّ تَعَالى من خلالِ الدَّليلِ العقليِّ والدَّليلِ الحسِّيِّ، وهكذا فإنَّ الدَّليلَ العقليَّ والدَّليلَ الحسِّيَّ يُبَرهِنانِ على وُجودِ الحقِّ تعالى في حالِ التَّجلِّي لأهلِ العقلِ وأهلِ الحسِّ.
فالحقُّ تعالى لَمَّا شَاءَ تَكوينَ الشَّيءِ كوَّنَهُ بقولِهِ تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، ثمَّ أرادَ الخلقَ فكانَ أمرُهُ مُطاعًا لقوله تعالى: (اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ)، ثمَّ تَجَلَّى لأهلِ العقلِ ولأهلِ الحسِّ بدليلِ قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ)، عِلمًا أنَّه في حَقيقتِهِ لا يقعُ تحتَ العقلِ ولا الحِسِّ، وهنا نؤكِّدُ أنَّهُ لم يَتَجلَّ بغَيرِهِ وإلاَّ وقعَ في الحُلُولِ والتَّجسيمِ، والدَّليلُ على ذلكَ قوله تعالى: (أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)، فالتَّجلِّي إذنْ ليسَ حُلولاً ولا تَجسيمًا، إنمَّا هو دَليلُ الوجودِ لقوله تعالى: (فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ).
ونحنُ نُقِرُّ بوجودِ الحقِّ تَعَالى ونُصرِّحُ بالألفاظِ مع عِلْمِنا بقُصُورِها لقولِ الإمامِ علي زينِ العابدين علينا سلامُهُ: (إلهي لولا الواجبُ من قبولِ أمرِكَ لنزَّهْتُكَ عن ذكري إيَّاكَ، على أنَّ ذكري لكَ بقَدْري لا بقَدْرِكَ، وما عسَى أن يَبْلُغَ مِقْدَاري حتَّى أُجْعَلَ مَحَلاًّ لِتَقديسِكَ، وَمِن أعظمِ النِّعَمِ علينا جَرَيانُ ذِكْرِكَ على أَلْسِنَتِنا)، فَمَعرفَتُنا لوجودِ الحقِّ وإفرادُنا لِذَاتِهِ عن كُلِّ صِفَةٍ مُدْرَكَةٍ وَجِهَةٍ مَحْدودةٍ، تَجْعَلُنا نُخْرِجُهُ عن الحَدَّينِ؛ حَدِّ التَّشبيهِ بِخَلقِهِ وحَدِّ الإنكارِ لِوجودِهِ، تَعَالى اللهُ عن حَدِّ التَّشــبيهِ وَحَدِّ التَّعطيلِ، لأنَّ مَن لم يُخرِجْهُ عن الحَدَّينِ يكونُ قد أدرَكَهُ وَحَصَــرَهُ وشَــبَّهَهُ بِخَلقِهِ، فهل يُعقَلُ أنَّ اللهَ إذا أَنْعَمَ علينا بنعمةِ معرفةِ وجودِهِ أن نَجعلَهُ من جِنْسِ خَلقِهِ ونُشَبِّهَهُ بهم ونَحْصُرَهُ في الأجسامِ معاذَ اللهِ!!؟
نحنُ العلويُّونَ النُّصَيريُّونَ نُنَزِّهُ الحقَّ تعالى في مُواجهَتِنا لأهلِ التَّجسِيمِ، وقد وردَ عن الفيلسوفِ العارفِ ابنِ شُعبةَ الحرَّانيِّ (ق) قوله: (معرفةُ اللهِ في الأبدانِ كَعِبَادَةِ الأوثانِ). فَلمَّا وَصَمَهُ أهلُ التَّجسيمِ بالأمِّ والأبِ والأولادِ نزَّهنا ذاتَهُ كما وردَ بقوله: (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، اللهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ)، ولَمَّا وَصَمُوهُ بالزَّوجةِ نزَّهنا ذاتَهُ كما قال في كتابِهِ: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً)، ولَمَّا جَعَلوا له شريكًا نزَّهنا ذاتَهُ كما قالَ في كتابِهِ: (لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).
فلا يقعُ تحتَ التَّجسيمِ مَن كانَ ولا مَكانَ ولا دَهرَ ولا زَمانَ ولا سُكونَ ولا حَركةَ ولا جَوهرَ ولا عَرضَ ولا حِسَّ ولا جِنْسَ، بدليلِ ما جاءَ عن الإمامِ الصَّادق علينا سلامُهُ: (إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى لا يُوصَفُ بزَمانٍ ولا مَكانٍ ولا حَركةٍ ولا سُكونٍ، بل هُوَ مُوجِدُ الزَّمانِ والْمَكانِ والحركةِ والسُّكونِ، تَعَالى اللهُ عمَّا يَقولون علوًّا كبيرًا).
ولا يقعُ تحتَ الحصرِ مَن لا يَسَــعُهُ مَكانٌ ولا يَحصُــرُهُ زَمانٌ ولا يَخْتَلِجُ بالأوهامِ ولا تُحَصِّلُهُ مَعرفةُ الأفهامِ، وقد سُئلَ الإمامُ الصَّادقُ علينا سلامُهُ: هل يجوزُ أن نقولَ: إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ في مكانٍ؟ فقال: (سُبحانَ اللهِ وتَعَالى عن ذلكَ، إنَّه لو كانَ في مكانٍ لَكَانَ مُحْدَثًا، لأنَّ الكائنَ في مكانٍ مُحْتَاجٌ إلى الْمَكانِ، والاحتياجُ من صِفَاتِ الْمُحْدَثِ لا مِن صِفَاتِ القَديمِ).
ولا يقعُ تحتَ الإدراكِ مَن لا يَقَعُ عليهِ اسـمُ شَــيءٍ وليــسَ لَهُ شَـبيهٌ ولا نَظـيرٌ ولا مَـثيلٌ ولا عَديلٌ، حيث سُئلَ رسولُ اللهِ (ص): ما رأسُ العلمِ يا رسولَ اللهِ؟ فقالَ: (معرفةُ اللهِ حَقَّ مَعرفتِهِ). قيل: وما مَعرفةُ اللهِ حَقَّ مَعرفتِهِ؟ قال (ص): (تَعرِفهُ بلا مَثَلٍ ولا شَبَهٍ ولا نِدٍّ، وأنَّهُ أَحَدٌ ظاهرٌ باطنٌ أوَّلٌ آخِرٌ لا كُفوَ له ولا نظيرَ فَذلكَ حقُّ مَعرفَتِهِ).
فسبحانَ اللهِ الذي سَمَا عن مَبلَغِ أقوالِ الوَاصِفين، وَعَلا عن نُطقِ أفواهِ العَالِمِين، وَخَفِيَ عن أبصـارِ النَّاظرين، فليسَـتِ الأبصارُ لَهُ بِلاحِظَةٍ، ولا العيونُ له بِرَامِقَةٍ، أعظمُ وأَجَلُّ وأكبرُ مِن أيِّ دَليلٍ عقليٍّ أو حسِّـيٍّ يَدلُّ إثباتًا على وُجودِهِ، لا يُوصَـفُ بِمَوصـوفٍ ولا يُقاسُ بالحروفِ، ولا يَعلمُ ما هوْ إلاَّ هوْ، ليسَتْ لَهُ صِفَةٌ تُنَالُ، ولا حَدٌّ فَتُضرَبُ بِهِ الأمثالُ.
نكتفي لعدم الإطالة والله أعلم
الباحث الديني العلوي الدكتور أحمد أديب أحمد
لتحميل نسخة بتنسيق PDF انقر هنا —-> بدعة التجسيم
عظم الله اجرك
اجرك عظيم
شكرا لك على هذه الحروف النيرة
كلمع سيف الحق في وجه ظلمة الجهل
بارك الله بك
طيب الله عيشك دكتور أحمد
عيشك طيب
تجلى لي فجـلّاني لـعيني كما لي صورتي المرآة تجلو
ومثّل لي الحقيقة في خيال كما في النور يحكي الشخص ظلّ
وأوجدني وأفقدني وجودي كمهجور له في النوم وصل
فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا
وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى
وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا
خلاصة الحكي عن هاد الموضوع هو ليس حدوثا ولا نزولا ولا تحولا ولا يجري عليه سكون اوحركة او اشغال حيز او اخلائه
وكما قال الامام علي لم تحط به الأوهام بل تجلى لها بها
وقوله تعالى أقبل ولا تخف أنك من الامنيين
وفقك الله
عظم الله أجرك
اجرك عظيم
الله يزيدك من نعمه
ربي يحفظك
يا علي يا علي يا علي
دخيلك
اللهم صلني و سلمني لسيد المرسلين وضياء المشرقين و نور المغربين سيدي محمد و امير المؤمنين و ولي كل مؤمن و ولي الكونين امير النحل مولاي علي حيدر الكرار و قالع قلاع الكفار حامل ذو الفقار مولاي علي الانزع البطين و مولاي فاطم المؤمنين بالولاية الكونية و سره العظيم و واسياد الارض و السماء و الاكوان مولاي الحسن و الحسين و أئمة الطهر الانوار و النقاء و الصفاء ومنكم الرحمة و السلام و منا اليقين و الطاعة و التسليم
آمين