قدسية الروح
بقلم: الدكتور أحمد أديب أحمد
ما هو معنى القُدسِيَّة؟ وما هو معنى القول: قَدَّسَ اللهُ روحَهُ أو فلانٌ مُقَدَّسٌ؟
يظنُّ البعضُ أنَّ عباراتِ (قَدَّسَ اللهُ روحَهُ) أو (قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ) أو (نوَّرَ ضريحَهُ) خاصَّةٌ بالعلويِّينَ، ولذلكَ يخجلونَ من ذكرِها أمامَ العامَّةِ، ولكنَّ الحقيقةَ أنَّها مَقولةٌ مُتَدَاوَلةٌ عندَ السُّنَّةُ والشِّيعةُ أيضًا، ولكنَّ الاختلافَ كالعادةِ يكمنُ في سَطحيَّتِهم وعُمقِنا.
فعندَهم أنَّ عبارة (قَدَّسَ اللهُ روحَهُ) تعني (طَهَّرَ اللهُ روحَهُ)، كما أنَّ عبارةَ (نوَّرَ ضريحَهُ) يعني قبرَهُ، لكنَّ عبارةَ (قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ) تُسْتَعمَلُ عندَ الصُّوفيَّةِ منهم، فالرُّوحُ تحتاجُ- وفق زعمِهم- إلى تَطهيرٍ إذا كان فيها شيءٌ ممَّا يُدَنِّسُها، وهذهِ شُبهَةٌ لأنَّ مَن يحتاجُ إلى التَّطهيرِ هو النَّفسُ، وبها يلحَقُ دَنَسُ الشِّركِ معنويًّا كما تلحقُ النَّجاسةُ بالجسدِ مادِّيًّا.
وقد استندَ السُّنَّةُ والشِّيعةُ على التَّفسيرِ اللغويِّ، حيث أنَّ التَقْدِيسَ في اللُّغةِ يعني التَّطْهِير والتَّبْريك، فقد وردَ في معجمِ لسانِ العربِ: (لا قَدَّسَهُ اللهُ؛ أي: لا باركَ عليه)، ومنهُ قولُ رسولِ اللهِ (ص): (لا قَدَّسَ اللهُ أمَّةً لا يأخُذُ ضَعيفُها حقَّهُ من شَديدِها ولا يُتَعْتِعُهُ).
ولكنَّ الشِّيعةَ زادُوا على السُّنَّةِ شُبهتَين:
- الأولى: إسقاطُ العصمةِ عن الأئمَّةِ والأنبياءِ الْمَعصومينَ (ع) وجعلُهم خاضعين للحالاتِ البشرِيَّةِ كما ذهب الصَّدوقُ بقولِهِ: (وأمَّا تقديسُ روحِ الْمَعصومِ فبتَطهيرِها بالعصمَةِ أو إلحاقِها بحظيرةِ القُدسِ) مُستَشهِدًا بقولِ الْمَأمونِ اللَّعينِ لهرثمَة عن الإمامِ الرِّضا علينا سلامُهُ: (قَدَّسَ اللهُ روحَهُ)!
- الثَّانية: تسييسُ القداسةِ لتكونَ خاصَّةً بالشِّيعةِ دونَ غيرِهم، حيثُ نَسَبوا للأئمَّةِ أحاديثَ لم يُردِّدْها غيرُهم، فقد نَسَبُوا للإمامِ الصَّادقِ علينا سلامُهُ أنَّ زائرَ الإمامِ الحسينِ علينا سلامُهُ لم يَزَلْ يُقَدَّسُ بكلِّ خُطوَةٍ حتَّى يَأتيهِ!! وأنَّهُ قالَ مَا دَلَّ على تقديسِ زوَّارِ الإمامِ الحسينِ علينا سلامُهُ: (ثمَّ اكتَنَفُوهُ، وقدَّسُوهُ، وينادونَ ملائكةَ السَّماءِ أن قَدِّسُوا زُوَّارَ حبيبِ اللهِ). عَدَا عن القولِ الْمَنسوبِ للإمامِ الصَّادقِ علينا سلامُهُ أيضًا: (تُربَةُ قُمٍّ مُقدَّسَةٌ، وأهلُها منَّا)!!
لقد تَجاهَلوا حديثَ النَّبيِّ الأعظم محمَّد (ص): (إنَّ الأرضَ لا تُقَدِّسُ الإنسانَ، وإنَّما يُقدِّسُهُ عَمَلُهُ)، فَهُمْ جَعَلُوا القداسةَ للأرضِ لا للعملِ، كما فعلَ الجُهَّالَ الذينَ وبَّخَهمُ سيِّدُنا النَّبيُّ عيسى الْمسيحُ (ع) لأنَّهم قدَّسُوا الْمَادِّيَّ دونَ إدراكِ الْمَعنويِّ، فقالَ لهم (ع): (أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلذَّهَبُ أَمِ الْهَيْكَلُ الَّذِي يُقَدِّسُ الذَّهَبَ؟ وَمَنْ حَلَفَ بِالْمَذْبَحِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَكِنْ مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْبَانِ الَّذِي عَلَيْهِ يَلْتَزِمُ! أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلْقُرْبَانُ أَمِ الْمَذْبَحُ الَّذِي يُقَدِّسُ الْقُرْبَانَ؟ فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْمَذْبَحِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِكُلِّ مَا عَلَيْهِ، وَمَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِالسَّاكِنِ فِيهِ، وَمَنْ حَلَفَ بِالسَّمَاءِ فَقَدْ حَلَفَ بِعَرْشِ اللَّهِ وَبِالْجَالِسِ عَلَيْهِ!).
نحنُ كعلويِّينَ نُصيريِّينَ نردِّدُ هذا العبارةَ تكريمًا عندما نزورُ مَقاماتِ أولياءِ اللهِ الصَّالحين فنقولُ: (قدَّسَهُ اللهُ) أو (قَدَّسَ اللهُ روحَهُ)، والقدسيَّةُ ها هنا تكونُ لأرواحِ الْمؤمنينَ الطَّاهرةِ، وليسَ للأرضِ والتُّرابِ والحجارةِ ورفاتِ العظامِ.
وقولُنا بمثابةِ دعاءٍ للمؤمنِ أن يشمَلَهُ اللهُ برعايةِ روحِ القُدُسِ ليُحَقِّقَ الإيمانَ الثَّابتَ بدليلِ قوله تعالى: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)، وبهذا يُرَقِّيهِ إلى العالمِ الأعلى الْمُقَدَّسِ في قوله تعالى: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ)، فالأرضُ ليسَت كربلاءَ أو قُم أو الشَّام أو الكوفة أو غير ذلكَ، بل هي عالمُ الْمَلَكُوتِ الذي وُعِدَ بهِ الْمُؤمنونَ، وهي الْمُشارُ إليها بقولِهِ تعالى: (إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى)، وقوله: (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى)، فالنِّداءُ الرَّبَّانيُّ يشمَلُ السَّماءَ والأرضِ، ولكنَّهُ صادِرٌ من السَّماءِ الْمُشارِ إليها بالوَادِ الْمُقَدَّسِ، والْمُؤمنُ ذو العقيدةِ السَّليمةِ يَرتقي بمِقدَارِ العلمِ الإلهيِّ والْمَعرفةِ التَّوحيديَّةِ والعملِ الصَّالحِ، وحينَ تَخلعُ نفسُهُ نَعلَي التَّشبيهِ والتَّعطيلِ ترتقي إلى الْوَادِ الْمُقَدَّسِ وتسمَّى روحًا، لهذا نقول: (قدَّسَ اللهُ روحَهُ)، أي جَعَلَها ساكِنَةً في دارِ القُدسِ عندَ خَلاصِها.
نكتفي لعدم الإطالة والله أعلم
الباحث الديني العلوي الدكتور أحمد أديب أحمد
لتحميل نسخة بتنسيق PDF انقر هنا —-> قدسية الروح
عليك السلام من بعد اذنك من عرف نفسه عرف ربه ممكن من بعد اذنك تشرحلنا ياها ولو بالاشارة شاهدت حلقة النفس والروح ولكن فضلا اذايوجد شي تفيدنا لك شاكر
عليك السلام. إن شاء الله
نحن كاصوفية نقول كثير قدس الله روحه
والقصد ..انا روح هذا الشخص طاهر ونرجو من الله تقديس هذة الروح في جنان عدن
اي بمعني خلود هذة الروح في جنان عدن
نعم هو دعاء وطلب
الحمدلله رب العالمين على نعمة الولاية والهداية
الحمد لله