علوم علوية

مراتب الإيمان

الفراسة المكاشفة المشاهدة

مراتب الإيمان

بقلم: الدكتور أحمد أديب أحمد

 

ما هو معنى الفراسة والمكاشفة؟ وهل تختلف عن المشاهدة؟ ومتى تتحقق للمؤمن؟

 

إن الإيمان للمؤمن عرضه التشريع، وجوهره الإقرار. فأعراض الإيمان لها هيئات تعرف بها، وهذه الهيئات عبارة عن الأفعال الصادرة عن المؤمن من الطاعة لله والبراءة من المشركين والولاء للأئمة والأنبياء والرسل والأولياء. أما جوهر الإيمان فهو الفيض الرباني الفائض على المؤمن القوي من جهة الحق تعالى، ليشهد الحقيقة ويقر بها فيصبح مؤمنًا كاملاً. وحتى يبلغ الإيمان كماله لابد أن يتدرج في مراتبه الثلاثة وهي: الفراسة، والمكاشفة، والمشاهدة.

 

المرتبة الأولى: الفراسة:

أول مرتبة من مراتب الإيمان هي الفراسة، ولها مقام الإيحاء بالفيض نورًا على العقل بدليل قول سيدنا رسول الله (ص): (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله)، وهذا الإيحاء ينفي عنه الشك بدليل قول مولانا أمير المؤمنين الإمام علي (م): (اتقوا ظنون المؤمنين فإن الله جعل الحق على ألسنتهم).

وقد تطلق على الفراسة صفة التوسم مجازًا عند ارتباطها بالمؤمن القوي لقوله تعالى: (إن في ذلك لآيات للمتوسمين)؛ أي المتفرسين، كما فسرها الإمام جعفر الصادق علينا سلامه، ولكنه لا يصبح من أهل الفراسة قبل أن يخلص من الكثيف.

والفراسة ليست معرفة الغيب، بل هي من الإنباء بالرؤيا، إذ صرح لأهل التفرس أن يعرفوا الأنباء تكريمًا لهم لقوله تعالى على لسان سيدنا النبي عيسى المسيح (ع): (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآيةً لكم إن كنتم مؤمنين)، وقوله سبحانه: (كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرًا).

 

المرتبة الثانية: المكاشفة:

ثاني مرتبة من مراتب الإيمان هي المكاشفة، ولها مقام إشراق العقل بعيدًا عن الهيئات المحسوسة والأعراض الزائلة بدليل قوله تعالى: (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد). وبهذا الكشف يفرق بين الأعراض الحسية والجواهر العقلية، فيرتقي الإيمان كلما ازداد الكشف إلى درجة اليقين بدليل قول مولانا أمير المؤمنين الإمام علي (م): (لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينًا).

ويرتقي أهل الكشف من مرتبة الفراسة المتعلقة فقط بالأعراض الحسية، إلى مرتبة المكاشفة اليقينية بمعرفة الجواهر في عالم العقل والأعراض في عالم الحس بدليل قوله تعالى: (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين).

وتتمثل المكاشفة في معرفة أنباء الغيب المصرح بها لأهل الكشف بدليل قوله تعالى: (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين). ولابد هنا من التنبيه إلى أن أنباء الغيب غير مفاتح الغيب في قوله تعالى: (وما كان الله ليطلعكم على الغيب)، وقوله: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو).

 

المرتبة الثالثة: المشاهدة:

ثالث مرتبة من مراتب الإيمان هي المشاهدة، وهي تخص مقام المرسلين من أهل الصفاء، الذي لا يمكن التعبير عنه بالعبارة الكثيفة، كما قال مولانا أمير المؤمنين الإمام علي (م) لكميل بن زياد (ع) حين سأله عن الحقيقة: (الحقيقة: كشف سبحات الجلال من غير إشارة).

وتتمثل المشاهدة بظهور اللطائف على يد أهل الشهود المتحققين بحقيقة الإيمان، والذين قال الإمام جعفر الصادق علينا سلامه فيهم: (إذا صار الأمر إليه جعل له عمودًا من نور يبصر به)، والذين تجاوزوا مراحل الجهد وتخطوا درجات الجد، فكانت مرآة بصيرتهم صافيةً صفاء الماء العذب الذي قال تعالى فيه: (وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون).

والحياة عند أهل الشهود هي تحويل العلم والفهم للأحداث إلى عمل يقوم به أهل الشهود لتهيئة الظروف ليكون كل قادم لخدمة نهج الحق ونصرته، وهو معنى قوله تعالى: (أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعًا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون).

 

والخلاصة مما سبق:

الفراسة معرفة الأنباء وهي أول مراتب الإيمان، والمكاشفة معرفة أنباء الغيب وهي ثاني مراتب الإيمان، والمشاهدة رسم اللطائف وهي ثالث مراتب الإيمان، ولا يبلغها إلا من كمل إيمانه بالصفاء من أهل اللطف المرسلين الخالصين من كل كثيف.

 

نكتفي لعدم الإطالة والله أعلم

الباحث الديني العلوي الدكتور أحمد أديب أحمد

لتحميل نسخة بتنسيق PDF انقر هنا

مراتب الإيمان

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى