موضوع الشتم والسب
بقلم: الدكتور أحمد أديب أحمد
هل يجوز شتم الصحابة وسبهم لمجرد أنهم غصبوا الخلافة من الإمام علي (م)؟ وما هو موقف الإمام علي (م) من مخالفيه؟
الشتم والسب بدعة سنية أموية ناصبية جرت عندما لعنوا الإمام علي (م) على المنابر ألف شهر، فبادرهم الشيعة المقصرة عندما قويت شوكتهم بسب أبي بكر وعمر وعثمان، وما زالت الشتائم قائمةً حتى الآن بينهم دون أن يتمسك أحد منهم بالحجة، فهم يتشاتمون ويتساببون منذ ألف وأربعمائة عام، دون أن يقدموا للإسلام شيئًا مفيدًا.
إن المخالفين لأمير المؤمنين (م) هم من أشعلوا الفتنة، وهم الشجرة الملعونة في القرآن، ويكفينا قول سيدنا النبي المسـيح (ع): (طوبى لكم إذا حسـدتم وشـتمتم وقيلت فيكم كل كلمة قبيحة كاذبة، حينئذ فافرحوا وابتهجوا فإن أجركم قد كثـر في السماء). ولو تخلق كل من رجالات المقصرة والناصبة بأخلاقيات المسيح والرسول وأهل البيت (ع) لما كنا قد وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم، فالقضية لا تحل بالسب والشتم والافتراء واختلاق القصص الكاذبة، ولا بالصمت الخانع المذل، بل بالحكمة والقوة والحجة العقلية. فأبو بكر وعمر وعثمان عاجزون أمام الإمام علي (م)، فهل استطاعوا حقا غصب الخلافة التي ثبتها الله ورسوله له في كثير من الأحاديث المجمع عليها؟
والإمام علي (م) موصوف بالقدرة، ومن كان هكذا فهو ليس ضعيفًا أمامهم حتى يتنازل عن حقه المشروع بسهولة، لكنه كان رئيسًا عليهم دون أن يتربع على كرسي، ومن أمثلة ذلك ما قاله عمر بن الخطاب حين كان يفتي برأيه فيخطئ فيصحح له الإمام علي (م)، مما أجبر عمر على القول مرارًا: (لولا علي لهلك عمر).
إن الإمام علي (م) له مقام رفيع، لذلك لا يسعى لطلب الرئاسة، ولا يسب من سلبه حقه أو يشهر بهم، فالتاريخ يذكر أعمال كل شخص، ولهذا جاء قول الإمام الحسن العسكري علينا سلامه: (إياك والإذاعة وطلب الرئاسة فإنهما يدعوان إلى الهلاك).
فحكمة الإمام علي (م) واضحة وضوح العيان، إذ لم يعتزل الناس بعد السقيفة ولم ينكفئ على نفسه، وكأنه بات بلا دور كما تظن المقصرة والناصبة، لأن القضية لم تكن بالنسبة له مجرد كرسي خلافة منع من توليه كما تظن المقصرة، بل كانت قضية تعليم لإعلاء كلمة الحق العلوي النصيري من أي موقع يكون فيه المؤمن، فالدور موجود برئاسة أو بدونها، وعلى الإنسان المؤمن المجاهد أن يسعى لتحقيق الدور لا لطلب الرئاسة، فلو أظهر الإمام علي (م) سعيًا إلى طلب الرئاسة لكان الناس قد انشقوا عن دين الإسلام، لكنه حافظ على المسلمين وبقي له الدور الأكبر في استمرار رسالة الحق المحمدية، وقد عبر عن ذلك بخطابه المرسل إلى أهل مصر مع الصحابي الجليل مالك الأشتر (ع)، ولكنه لم يصل إليهم، إذ اغتاله معاوية الأموي الحاقد على بني عبد المطلب (ع)، وجاء في الكلمة: (فما راعني إلا انثيال الناس على أبي بكر يبايعونه فأمسكت يدي، حتى إذا رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمد، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلمًا أو هدمًا، تكون المصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكم هذه التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السراب، أو كما يتقشع السحاب، فنهضت حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه)، وهذا هو الفرق بين أبي بكر الذي طلب الرئاسة، والإمام علي (م) الذي حافظ على الدور حتى جاء الوقت فطلبته الرئاسة وبايعه المسلمون حين ذهبوا داره وأخرجوه حملاً على الأيادي مبايعين له بالإجماع الشعبي.
هذا الدور في استمرار إعلاء كلمة الحق هو الذي علمنا إياه الإمام علي (م) بأن نتابعه مجاهدين لإعلاء كلمة الحق ومحاربة أهل البدع والشبهات الباطلة من موقع المسؤولية لا من موقع التكليف، وقد قال مؤكدًا مسؤوليته: (لولا حضور الحاضر، لألقيت حبلها على غاربـها، ولألفيتم دنياكم عندي أهون من عفطة عنـز)، لهذا لا تعنينا المناصب الدينية ولا المراكز الدنيوية، ويكفينا شرفًا أن نكون باحثين دينيين علويين نصيريين همنا رد شبهات أهل التضليل والتزييف بحق نهجنا العظيم.. نهج أمير المؤمنين والأئمة المعصومين والتابعين لهم بإحسان من أهل الولاية واليقين.
فنحن نقاتل من يقاتلنا ويكفرنا ونقف له بالمرصاد، ونقارعه بالحجة والبرهان اقتداءً بأمير المؤمنين (م) الذي أعطى منهجًا لنا بأن القتال يكون لمن يفكر بالإساءة إلينا، ولذلك رأيناه في رسائله إلى معاوية موبخًا معنفًا لمخالفته الأسس الإسلامية، ولما لم يفئ معاوية للحق، وهو يعلم ذلك منه، قاتله في صفين، وكانت هذه الحرب عبرةً للمتقاعسين اليوم عن أداء مسؤولياتهم.
فعندما انطلق في صفين، أراد أن يلقن البشرية درسًا في معنى الجهاد، وعندما استبطأ أصحابه إذنه لهم بالقتال قالوا: (أكان ذلك كراهيةً للموت؟ أو شكا في أهل الشام؟)، فقال لهم: (أما قولكم: أكان ذلك كراهيةً للموت، فوالله ما أبالي أدخلت إلى الموت أو خرج الموت إلي، وأما قولكم: شكا في أهل الشام، فوالله ما دفعت الحرب يومًا إلا وأنا أرجو أن تهتدي بي طائفة).
وعندما سمع من جنوده العراقيين سبا لأهل الشام قال لهم: (إني أكره لكم أن تكونوا سبابين)، فليس من أخلاق أتباع أمير المؤمنين (م) أن يعالجوا مشاكلهم بالسب والشتم، لأن السباب والشـتائم ينطلق من عقدة شـيطانية وليس من روحية رحمانية، وتابع قائلاً: (ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم لكان أصوب…)، وهذا هو المنهج العلوي النصيري الإسلامي في النقد والتـقييم والـرد، فنحن عندما نخـتلف مع طـائفـة أخرى نقدم القضـية التي نختلف فيها معها، فلا نسبها ولا نشتمها بل نصف أفعالها وانحرافاتها، كقولنا اقتداءً بكلام الأئمة: (حشوية وناصبة ومقصرة)، لأننا لا نحقد على أحد أصغر منا، فالإناء الكبير يستوعب الإناء الصغير، وإناؤنا الخصيبي كبير بعلومه وعرفانه وأخلاقه وأدبياته، لكنه لا يمكن أن يكون ضعيفًا وهزيلاً وجبانًا، فأين الشــتامون والســبابون والناكثون والمخالفون والضـعفاء والمتقاعسـون من أمير المؤمنين الإمام علي (م) في خلافاتهم المذهبية والطائفية والحزبية والعشائرية وغيرها؟!
نحن تعلمنا من الإمام علي (م) أن نجاهد لأننا نحمل مسؤولية العلم ونقدرها، وكما قال الإمام الصادق علينا سلامه: (ما أخذ الله على أهل الجهل عهدًا أن يتعلموا العلم، إلا وأخذ على العلماء سبعين عهدًا أن يعلموه).
فنحن نكتب ونشرح ونعلم من موقع هذه المسؤولية الملقاة على عاتقنا، ونرد على الشبهات، ولا سيما عندما تنتشر البدع والأكاذيب، وبخاصة في هذا الوقت الذي تحركت فيه النزاعات الفكرية والأخلاقية لتربك الناس والشباب عمومًا كما وصفهم تعالى بقوله: (وترى الناس سكارى وما هم بسكارى)، ولكن ميزاننا واضح للجميع في قوله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول).
نكتفي لعدم الإطالة والله أعلم
الباحث الديني العلوي الدكتور أحمد أديب أحمد
لتحميل نسخة بتنسيق PDF انقر هنا
طيب الله عيشك دكتور أحمد
عيشك طيب