منطق العرفان الوجودي
منطق العرفان الوجودي
بقلم الأستاذ المهندس:
أسامة حافظ عبدو
الباحث المنصف في الحقائق العرفانية يدرس منطق العرفان الوجودي من خلال دراسة منطقنا العلوي الذي نستطيع من خلاله أن نتجاوز الذهنية المتأكلة التي صنعها البعض. ولقد هدانا الإمام علي (م) إلى الحقائق الثابتة وفلسفة الخلق بصورة تجد كلامه الشفاف يخلد كلام الأنبياء والرسل (ع) خلود الدهر.
أجل إن منطق العرفان الوجودي عندنا هو منطق الدين، والمنهل الصافي لفهم مبادئ الدين، والطريق المستقيم لمعرفة حقائق الإيمان، وهو مجلى الهدى ومنار المعرفة ودليل ونبراس الحق ومنشور الأحكام وميزان العدل ومحراب العبادة و….
وهو في الحقيقة العرفان الحقيقي، لأنه اشتمل على حقائق ومعارف لم تكن لجميع الناس، فهو يمثل هدايا إلهيةً من خلال خطب أتحفنا بها هذا العرفان العلوي بقوالب مختلفة حوت المفاهيم العميقة والسامية حول العرفان والحق المتعالي. فموضوع منطق العرفان الوجودي هو الحق الإلهي، لأننا نرى الحقائق بوضوح دون أي تشويش، وذلك بعروجنا وارتقائنا قمة الكمال، وبذلك نمثل أسمى مظهر للعرفان الوجودي من جهة أولى، وأسمى مظهر للفلسفة من جهة ثانية.
إن منطق العرفان الوجودي يبحث عن التجلي؛ أي تجلي الحق الذي هو الشهود الوجداني، وعن الحكمة الإلهية في الإيجاد؛ وهي نقل السالكين بالمعرفة من العدم إلى الوجود، فالرب عز وجل منزه عن العبث، إذ الحكمة تقتضي أن يوجد الجواهر ويأمرهم بمعرفته.
ويؤكد منطق العرفان الوجودي على أعمال القلوب كالإخلاص، ورفض أعمال الجوارح كالتشريع. ويرفض الادعاء بأن أعمال الجوارح حقيقة لأعمال القلوب وظلال لها، لأن القائلين بذلك يقصدون بزعمهم أنه لا خلاف بين الشكل والعمق، أي أن العمق لا يخالف الشكل بالحقيقة المحضة!!
فالشكل التشريعي وما فيه من أمثلة مخالف للعمق، أي أن المحسوس غير المعقول، لأن التحقيق هو مذهب أهل الإيمان المقرين، وقد ورد في أمثال سيدنا سليمان الحكيم (ع) بهذا المعنى قوله: (أبعد عني الباطل والكذب، لا تعطني فقرًا ولا غنًى، أطعمني خبز فريضتي لئلا أشبع وأكفر وأقول: من هو الرب؟ أو لئلا أفتقر وأسرق وأتخذ اسم إلهي باطلاً)؛ فمعنى قوله: (أطعمني خبز فريضتي) أي اجعلني معتقدًا بالعلم الحقيقي المفروض لنا وعلينا لا بغيره من الطقوس الشكلية التي لم يفرضها الله علينا، وهو المشار إليه بدم سيدنا المسيح (ع) في قوله لتلاميذه: (من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير).
وقول سيدنا النبي سليمان الحكيم (ع): (لئلا أشبع وأكفر) هو التوسع بالعلم التشريعي وتناقضاته للاعتقاد به، وأما قوله: (أو لئلا أفتقر وأسرق وأتخذ اسم إلهي باطلاً) فيعني؛ أو يوجب لي هذا الشبع التشريعي المذموم أن أتخذ اسم إلهي باطلاً بالاعتقاد بسواه أو بما لا يليق به، كما يوجب الفقر الحقيقي الذي هو الحجبة بأخذ العلوم الفاسدة المحرمة بالاعتقاد بها أو بالبعض منها.
الأستاذ المهندس: أسامة حافظ عبدو
لتحميل نسخة بتنسيق PDF انقر هنا