Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
المنطق العلوي

منطق الروح الجوهري

والفرق بين الروح و النفس والعلاقة بينهما

منطق الروح الجوهري

بقلم الأستاذ المهندس: أسامة حافظ عبدو

 

إن منطق تمييز الروح الجوهري عن النفس الكاملة من القضايا المعقدة التي شغلت أهل التفكير على اختلاف توجهاتهم. فالروح الجوهري لا يمكن أن ير في حدود المكان أو يحصر في حدود الزمان، ولا يمكن الاستدلال عليه إلا من خلال النفس الكاملة التي ستر بها.

وهنا أخطأ الآخرون بإطلاق اسم النفس الكاملة على الروح الجوهري والمساواة بينهما، لأنهم لم يفهموا قول الفيلسوف الأعظم أفلاطون: (إن الروح جوهر قديم موجود قبل وجود النفس والجسم، ينزل عن مقامه الشامخ ويلج في النفس والجسم)، فالعبارة الأولى من القول تؤكد جوهرية الروح الجوهري وانفصاله عن النفس الكاملة جوهريا، ولكن وجود عالمي العقل والحس اقتضى اتصال شؤون الروح الجوهري ولوجًا بهذين العالمين دون حلول، فأطلق على شؤون الروح الجوهري اسم “النفس الكاملة”، وهي ما عبر عنها المعلم الأول أرسطو بمصطلحي “الصورة والمادة”، فأشار بالصورة إلى المقام الشامخ لشؤون الروح الجوهري في عالم الصور العقلية، وبالمادة إلى المقام الداني لشؤون الروح الجوهري في عالم المواد الحسية، ودلنا أن المادة وإن اختلفت عن الصورة شكليا، إلا أنهما بالحقيقة شؤون للروح الجوهري، ويطلق عليهما اسم “النفس الكاملة”.

كما أن النزول لا يكون للروح الجوهري المجرد لأنه جوهر قديم لا يقع تحت التصريف، ولا يقع تحت المكان والحيز والزمان، وهو أجل وأعظم من جميع الشؤون الجوهرية والعرضية. لكن النزول يكون لشؤون الروح الجوهري التي تبدو كيفما شاء الروح الجوهري في عالمي الصور العقلية والمواد الحسية. كما أن الولوج ليس حلولاً لشؤون الروح الجوهري في عالمي الصور العقلية والمواد الحسية، بل هو دليل على القوة المجردة التي تجعل شؤون الروح الجوهري تجليات معاينةً لعالمي الصور العقلية والمواد الحسية.

فالعلاقة إذن بين الروح الجوهري وعالمي الصور العقلية والمواد الحسية اعتبارية وعرضية وليست مباشرةً، وهذه الاعتبارية مرتبطة بشؤون الروح الجوهري التي نطلق عليها اسم “النفس الكاملة”. فشؤون الروح الجوهري المتعددة والمتكثرة والمتنقلة والمتحولة تختلف عن الروح الجوهري الثابت، ولهذا جعل الرب شؤون الروح الجوهري موجودةً بسماتها المختلفة الصورية والمادية لحكمتين تخصان عالمي الصور العقلية والمواد الحسية: الأولى: هي نعمة الوجود؛ أي نقلهم من حالة إلى حالة. والثانية: هي نعمة المعرفة؛ أي أن الرب أمر بخلقهم ليكرمهم بمعرفة شؤون الروح الجوهري.

وقد حصل التلاقي في معرفة أول ما يلزم السالك، فالبعض قالوا: (أول ما يلزم السالك معرفة نفسه)، وآخرون قالوا: (أول ما يلزم السالك معرفة ربه)، والقولان متكاملان، لأنهم عنوا بالأول معرفة شؤون الروح الجوهري في عالمي الصور العقلية والمواد الحسية، وبالثاني إثبات التجلي إقرارًا بالنفس الكاملة، فمعرفة التجلي أعظم الأشياء وأجل العلوم وألطفها، لذلك قال الحكماء: (من عرف نفسه تأله).

ومن الواجب الإشارة إلى أن معرفة شؤون الروح الجوهري لا تعني إدراك الروح الجوهري إنما الاستدلال عليه، كما أن معرفة النفس الكاملة لا تعني معرفة جوهر الرب بل الاستدلال على التجلي وإثبات الوجود.

ولهذا نقول: إن الروح الجوهري غير النفس الكاملة، لأن الروح الجوهري سر غامض، لا سبيل للوقوف على حقيقته والوصول إلى معرفة كنهه. أما النفس الكاملة فهي موقع المحنة والابتلاء، ولها وظيفة الفعل والقوة والنطق، وهي غاية السالكين، ومعرفتها علة الوجود وغايته والقصد منه، بدليل أن الإمام علي (م) قال: (معرفة النفس أنفع المعارف)، ولم يقل: (معرفة الروح).

وما لم يصل السالك إلى مقام معرفة النفس الكاملة لا يمكن أن يصل إلى إثبات معاينة التجلي. فمعرفة تجلي الرب لا تتحقق إلا بمعرفة النفس الكاملة، ومعرفتها ليست بهذه السهولة، لأن لها مراتب لا حد لها ولا عد في عالمي الصور العقلية والمواد الحسية، وإلى هذا أشار الإمام علي (م) بقوله: (المعرفة بالنفس أنفع المعرفتين)؛ والمراد بالمعرفتين: معرفة شؤون الروح الجوهري في عالم الصور العقلية ومعرفة شؤون الروح الجوهري في عالم المواد الحسية، لأن معرفة شؤون الروح الجوهري موصلة إلى إثبات التجلي، وهذه المعرفة الحاصلة هي عبارة عن نظر شهودي ورؤية حضورية للنفس الكاملة من قبل السالكين.

 

الأستاذ المهندس: أسامة حافظ عبدو

لتحميل نسخة بتنسيق PDF انقر هنا

منطق الروح الجوهري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى