المنطق العلوي

منطق التكليم

منطق التكليم

بقلم الأستاذ المهندس:

أسامة حافظ عبدو

 

العبادة في منطقنا العلوي ليست للأعراض الزائلة ولا للماهيات المحدودة التي يزعم المشبهون أنها حقيقة الجوهر، بل العبادة للجوهر الذي أبدى الأعراض وأزالها، فإذا قلنا: (إن الجوهر هو الأعراض بذاتها!!)، فلا يجوز من الحكمة عبادة الأعراض الزائلة، ولا عبادة الماهيات المحدودة، إذ لا تصح العبادة للزائل والمحدود.

كما أن الماهيات مخلوقة، والجوهر يماثلها كسماتها عند التجلي، لكننا لا نعبد الماهيات ولا السمات بل نعبد جوهر الرب بعد إثبات التجلي. وفي حديث سيدنا النبي موسى الكليم (ع) تأكيد على أن العبادة للرب لا للنار، بدليل أنه قال: (فاعبدني)، ولم يقل: (فاعبدها) أي: اعبد النار، لأن المتكلم كان الرب لا النار بدليل ما ورد في سفر التثنية: (وقلتم: هوذا الرب إلهنا قد أرانا مجده وعظمته وسمعنا صوته من وسط النار. هذا اليوم قد رأينا أن الله يكلم الإنسان ويحيا).

وقد حوت هذه القصة معان عظيمةً تفصح عن مثال إثبات التجلي في الوادي المقدس، وإن كان هناك من الآخرين من ينكر ما يسمع فهذا ما ذكر في سفر الخروج: (فقال: “لا تقترب إلى ههنا. اخلع حذاءك من رجليك، لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة”، ثم قال: “أنا إله أبيك، إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب”. فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله)، ثم رنم موسى وبنو إسرائيل هذه التسبيحة للرب وقالوا: (من مثلك بين الآلهة يا رب؟ من مثلك معتزا في القداسة، مخوفًا بالتسابيح، صانعًا عجائب؟… ترشد برأفتك الشعب الذي فديته. تهديه بقوتك إلى مسكن قدسك)، وهذا الإرشاد وهذه الهداية إلى مسكن القدس المعاين شرط أساسي لصحة اليقين والاعتقاد.

فالعبادة بحقيقة العرفان لا تكون مع التوهم والحلول، فالمتوهم هو من يعبد الماهيات التي هي مواقع الأعراض، والحلولي هو من يظن أن الماهيات والأعراض حقيقة الجوهر فيعبدها، بينما يؤكد منطقنا العلوي على أن الأعراض تكون للاستدلال وإثبات التجلي، أما العبادة فلا تكون إلا لجوهر المتجلي.

فمن عبد الماهيات أو ما يعاينه من الأعراض التي تعتبر دلالات التجلي عبد محدودًا، ومن عبد ما يتوهمه عبد مجهولاً لأنه لم يعبد شيئًا، وعلى هذا فإن من توجه بالعبادة للعدم دون إثبات للتجلي فقد عبد مجهولاً، ومن توجه بالعبادة للماهيات وأعراض التجلي وأنكر الجوهر فقد عبد محدودًا.

لذلك فإن السالكين العارفين لا يعبدون محدودًا تبلغه العقول والحواس، ولا مجهولاً تقع عليه الأوهام، لقول الإمام علي (م): (لم تبلغه العقول بتحديد فيكون مشبهًا، ولم تقع عليه الأوهام بتقدير فيكون ممثلاً)، وهذا هو الامتحان لأهل السلوك العرفاني في المنطق العلوي.

 

الأستاذ المهندس: أسامة حافظ عبدو

لتحميل نسخة بتنسيق PDF انقر هنا

منطق التكـليم

‫4 تعليقات

  1. لقولِ الإمام علي (م): (لَمْ تَبْلُغْهُ الْعُقُولُ بِتَحْدِيدٍ فَيَكُونَ مُشَبَّهًا، ولَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ الأوْهَامُ بِتَقْدِيرٍ فَيَكُونَ مُمَثَّلاً)،
    جازاكم الله خيرا

  2. قوي قوي قوي جدا هذا التوضيح. الله أكبر مأروعكم أيها الساده الموحدون. عليكم السلام من العلي العلام على مر الأيام. أنتم القادة الحقيقيون المحطمون لكافة أشكال وأنواع البدع التشبيهية والتعطيليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى