مسألة حجاب المرأة
مسألة حجاب المرأة
بقلم: الدكتور أحمد أديب أحمد
الوسطية العلوية اعتدال بين فعلين متطرفين هما الإفراط والتفريط، والعلوي لا يكون كذلك لأنه يفهم قول أمير المؤمنين الإمام علي (م): (الجاهل لا يرى إلا مفرطاً أو مفرّطاً).
ومن الأمور التي أفرط بها البعض، وفرّط بها البعض الآخر هو موضوع الستر. فأهل الإفراط المتعصبون تمادوا بإفراطهم حتى ابتدعوا بدعة الحجاب للمرأة على حسب أهوائهم، وأهل التفريط المنحرفون تمادوا بتفريطهم تعرياً وفجوراً، ولا ترى المرأة العلوية مفرطةً ولا مفرّطةً بل ساترةً نفسها محتشمةً خلوقةً ملتزمةً بأمر الله.
وفي ظل حملات المتعصبين الهادفة للإساءة للمرأة العلوية، والذين يقع فيهم قوله تعالى: (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم)، كان لابد من الحديث حول مسألة حجاب المرأة بشكل علمي مستند للنص والمنطق، في الوقت الذي يستعمل فيه الآخرون كلمة (حجاب) لوصف ما يسمونه بزي المرأة، والذي يتضمن غطاء الرأس.
إن مسألة (الحجاب) ليست تلك المسألة التي تحتاج إلى شرح وإسهاب عندنا كعلويين نصيريين لأنها ليست فريضة دينية على الإطلاق، ولا تعدو كونها عادات اجتماعية طرحها أصحاب التفسير والحديث المتعصبون في تفسيراتهم بعد غيبة الأئمة علينا سلامهم، وتابعهم عليها اللاحقون من المفسرين، وبقيت حتى يومنا هذا عنوانا للالتزام الديني عند المتعصبين، وقضية يحتجون بها علينا ويتهمون المرأة العلوية من خلالها بالفجور والانحلال، واقعًا فيهم قوله تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثماً مبيناً)، متناسين كل عقائدهم اللاأخلاقية التي يمارسونها في السر، ويغطونها بحجاب المرأة دون أدنى يقين أو معرفة تصلهم برب العالمين.
الحجاب في اللغة:
الحجاب في اللغة هو الساتر، والمرأة المحجوبة أي المستورة بساتر. فالحجاب ليس في اللغة لباساً بل هو ما يحول بين اثنين فلا يلتقيان مباشرة.
الحجاب في التاريخ:
حجاب المرأة تقليد قديم، إذ كانت الطبقات المخملية قبل الميلاد تقوم بإلزام نسائها بحجاب الرأس، لأن المرأة في بعض أزمنة العهود القديمة كانت بلا قيمة على الإطلاق.
كما كانت المرأة في بعض المجتمعات وقتها تلبس حجاب الرأس للزينة، وكانت الفتاة تلبسه أثناء الزفاف حمايةً لجمالها من الحسد. ولا يمكن أن نمر على هذا الأمر دون ذكر اليهود (جماعة الحريديم) الذين يلبسونه لنسائهم تعصباً وتزمتاً.
الحجاب في القرآن الكريم:
وردت كلمة الحجاب في القرآن الكريم في سبع آيات لا تدل أية منها على حجاب المرأة المزعوم، وهي:
- وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون (الأعراف 46).
- وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً (الإسراء 45).
- فاتخذت من دونهم حجابًا فأرسلنا إليها روحنا فتمثـل لها بشراً سوياً (مريم 17).
- يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إن ذلكم كان عند الله عظيماً (الأحزاب 53).
- فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب (ص 32).
- وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون (فصلت 5).
- وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيًا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء أنه علي حكيم (الشورى 51).
الحجاب في الأحاديث:
هناك الكثير من الأحاديث الضعيفة لا داعي لذكرها هنا، وسأكتفي بحديثين فقط:
- الحديث الأول: روي عن عائشة عن النبي (ص) أنه قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إذا عركت- أي بلغت- أن تُظهر إلا وجهها ويديها إلى ها هنا)، وقبض على نصف الذراع.
- الحديث الثاني: روي عن أبي داود عن عائشة أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على سيدنا رسول الله (ص) فقال لها: (يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى فيها إلا هذا)، وأشار إلى وجهه وكفيه.
وبالتدقيق في الحديثين نلاحظ الآتي:
- هذان الحديثان وردا فقط في (سنن أبي داود) وهو سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأذري السجستاني المتوفى سنة 275 هـ، والمعروف بعدم اهتمامه بضبط الرواة والأسانيد التي يتمسك بها أهل السنة والجماعة، وهما غير موجودين لا في صحيح البخاري ولا في صحيح مسلم ولا في موطأ ابن مالك ولا غيرها من كتب الحديث المعتبرة عندهم.
- هذان الحديثان من أحاديث الآحاد غير المتواترة ولا المشهورة، والتي تختلف عن الأحاديث المجمع عليها عندهم، وهذا يجعل حجتهم فيها ضعيفةً.
- هذان الحديثان متناقضان رغم روايتهما عن شخص واحد وهو عائشة بنت أبي بكر، ففي الحديث الأول ذكرت أن النبي (ص) قبض على نصف ذراعه، بينما قصر الحديث الثـاني الإجازة على الوجه والكفين.
توضيح الآيات التي يحتجون بها:
الآية الأولى: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً، وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) (الأحزاب 32-33).
لم يذكر فيها الحجاب على الإطلاق، بل جاء الأمر بالالتزام وعدم التبرج الذي كانت المرأة في الجاهلية تقوم به، لأن الســـيدات نساء النبي (ص) لســـن كأحد من النساء، وما يقع عليهن لا يقع على غيرهن.
الآية الثانية: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إن ذلكم كان عند الله عظيماً) (الأحزاب 53).
هذه الآية أمرت أن يتم تكليم السيدات نساء النبي (ص) من وراء حجاب؛ أي ستار، كيلا يقوم فاجر بإيذائهن بنظرة سوء أو ما شابه، وليس الستار هنا حجاب المرأة المتعارف عليه.
وهم يزعمون أن سبب نزول الآية بوضع حجاب ساتر بين السيدات نساء النبي (ص) والمؤمنين- كما روي- هو أن عمر بن الخطاب قال لسيدنا النبي (ص): (يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يتحجبن؛ يعني أن لا يحاورن الرجال مباشرةً بل من خلال حجاب يفصل بينهم)، فنزلت الآية!! فهل من المعقول أن ينتظر الله تعالى نصيحة عمر لسيدنا محمد (ص) ليرسل له جبريل بنص الآية، وكأن عمر أوحى بها لله لينزلها!؟
الآية الثالثة: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً) (الأحزاب 59).
الجلباب لغةً هو الثـوب المشتمل على الجسد كله، والغاية الطبيعية منه الستر، وسبب نزولها كان لحماية نساء المؤمنين من إساءة رجال السوء الفجار الذين كانوا يتحرشون بالإماء في ذلك الوقت، فكان الجلباب وسيلة لتمييز السيدة الحرة عن الأمة، كيلا يجرؤ رجال السوء الفجار على التحرش بهن، خاصةً أن المرأة في ذلك الوقت كانت تخرج في الليل لقضاء الحاجة، وقد يتحرش بها الفجار أو يعتدون عليها، فكان الجلباب للتفريق.
الآية الرابعة: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) (النور 31).
الخمار ثوب جاء الأمر لامرأة المؤمن بإلقائه على جيبـها لستر صدرها، ولم يأت الأمر بإلقائه على رأسها أو وجهها في الآية. وسبب نزول هذه الآية هو أن المرأة كانت في ذلك الزمان والمكان تغطي رأسها بالخمار لاتقاء أشعة الشمس، وتقوم بإسداله من وراء الظهر، فيبقى أعلى الصدر ظاهرًا لا ستر له. فأمرت الآية بإسدال النساء للخمار على الجيوب (أعلى الجلباب) لستر الصدر، ولا علاقة لذلك بتغطية شعر الرأس، ولو كان المراد ذلك لأفصح تعالى عنه بوضوح قائلاً: (على رؤوسهن أو شعورهن) كما أفصح عن تحريم لحم الخنزير مثلاً.
أما مفهوم الزينة فلا يعني عر الرأس أو الساعد أو الكاحل أو ما شابه ذلك، بل ما تضعه المرأة من أدوات التجميل مثل المكياج والحناء والحلي كالسوار والقرط والخاتم والخلخال. فالزينة ليست حرامًا، لكن ما يوضع بقصد الإغواء والتهتك هو الحرام.
الخلاصة:
نؤكد أن الستر واجب بلا إفراط ولا تفريط؛ أي ليس على طريقة الحجاب الذي يتمسك به المتعصبون فيسترون ظاهر الجسد وينحرفون في فهم بقية التشريع؛ إذ يفهم بعضهم التشريع على أنه زواج متعة وزواج أبيض (وهو بدعة انتشرت مؤخراً، وتعرف أيضاً باسم زواج المساكنة أو ازدواج سفيد)، بينما بعضهم الآخر يفهم التشريع نكاحاً لحوريات وشهوات بالجنة، وهذا وذاك لا يليق بالمؤمنين على الإطلاق. وقد حاولت الاختصار في هذا الموضوع وعدم التوسع لأن من لا يقنعه القليل لا يقنعه الكثير.
وفي الختام:
أقول جواباً لكثير من أخواتي النساء اللاتي تتساءلن عن واجباتهن: من الواجب على كل مؤمنة علوية القيام بقراءة القرآن الكريم والالتزام بحلاله وحرامه وفرائضه وأحكامه، وهذا واجب على المؤمنة العلوية كما هو واجب على المؤمن العلوي لقوله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً)، ولكن كل على قدر طاقته واستطاعته واحتماله ومعرفته، لقوله تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها).
نكتفي لعدم الإطالة والله أعلم
الباحث الديني العلوي الدكتور أحمد أديب أحمد
لتحميل نسخة بتنسيق PDF انقر هنا
حياك الله دكتور وبارك بك وبعلمك
بارك الله بك