ظلمات السحر والشعوذة
ظلمات السحر والشعوذة
بقلم: الدكتور أحمد أديب أحمد
ما الذي يساهم بانتشار السحرة والمشعوذين؟ وكيف نواجههم؟ وهل طب الأعشاب يعتبر من السحر؟
في الآونة الأخيرة نرى انتشارًا كبيرًا للسحرة والمشعوذين، حيث يحاول هؤلاء السحرة والمشعوذون أن يسيطروا على تفكير بسطاء الناس، من خلال الحيل التي يمارسونها، والادعاءات التي ينشرونها، والدجل الذي يغوون به عموم جمهور العامة، سواء كان هؤلاء السحرة والمشعوذون يمارسون سحرهم على الأرض ضمن منطقة جغرافية محددة، أو على القنوات الفضائية أو صفحات الإنترنيت مؤخرًا.
وقد زاد انتشارهم لأن لهم قطيعًا إعلاميا يروج تلك الأكاذيب والادعاءات الزائفة كشفاء فلان من مرض مستعص باستخدام تعويذات خاصة مكتوبة أو لفظية، أو معرفة الأخبار المستقبلية أو كشف المستور، أو تسليط الجن والشياطين على فلان باستخدام وسائل وأدوات نجسة منصوص عنها في كتب السحر المشهورة عند الجميع.
وقد وصل الأمر ببعض هؤلاء إلى لبس ثوب الدين وادعاء الغيبيات، كأن نسمع عن (الشيخ فلان!) أنه يعلم ما سيجري مع الشخص من أحداث حتى مماته، وأنه يعلم حقيقة من كان في جيله الماضي قبل أن يكون، وما توجب عليه من نذور قبل أن يصير في هذه الحياة، وما هي ذنوبه السالفة واللاحقة، دون أي دليل محسوس أو معقول عن صدق زعمه، فوقع بهؤلاء قوله تعالى: (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين).
إن سبب انتشار السحر والشعوذة يعود لتقصير بعض المؤمنين دينيا، وكثرة ذنوبهم وانهماكهم بالمعاصي، الأمر الذي يهيئ الظروف المناسبة ليقوي أصحاب النفوس الخبيثة وجودهم وفاعليتهم، لأن علة الشر هي انعدام فيض الخير، فمتى انعدم فيض الخير انتشر الشر، ومتى امتنعت النفوس من قبول فيض الخير كانت أكثر استعدادًا لقبول الشر، تمامًا كالجاهل الذي ينعدم العلم عنده لعدم قبوله إياه، لا لأن العلم غير موجود، وكالكافر الذي ينعدم الإيمان عنده لعدم قبوله إياه، لا لأن الحق غير موجود.
والدليل على أن الشر علة طارئة نتيجة المعصية، والمعصية نتيجة الجهل، هو قول الإمام جعفر الصادق علينا سلامه: (إن إبليس هو الجهل، ومنه خلق الشك والحيرة والمعصية والظلمة، لأنه ظلم نفسه، فهو بحاله ليس فيه شيء من النور والعلم، بل مظلم لا يخرج عن الظلمة والإنكار والجحود والكفر، ولا يرجع ولا يطيع إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين)، فأوضح الإمام جعفر الصادق علينا سلامه أن أصل إبليس اللعين هو الجهل، وهو سبب الشك والمعصية. فالله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم فسجدوا إلا إبليس اللعين أبى وقال: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)، والنار تأكل الطين! فحين ذلك استحق اللعن، لأنه من نار الشك والجهل والمعصية، ولهذا يمكن القول: إن إبليس أصل كل شر وظلمة، وينبوع كل شك وحيرة وكفر، ومنه عالم الشياطين والجن المذمومين، وقد سمي إبليس لأنه أبلس بكفره وشره.
والشياطين المذمومة ذكرت في قوله تعالى: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله أنه هو السميع العليم)، والنزغ هو أول الوسوسة؛ أي نالك من الشيطان وسوسة، كما قال تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس)، ومعنى تخبطه الشيطان أي مسه بأذى، ولذلك يلجأ المؤمن لطلب الرحمة في قوله تعالى: (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك رب أن يحضرون) وإلا اقترن به الشيطان فصار قرينًا له كما في قوله تعالى: (ومن يكن الشيطان له قرينًا فساء قرينًا)، وقوله تعالى: (قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد)؛ وقرينه هو الشيطان الموكل به.
وترى الشياطين في الخرابات والفلوات وأماكن النجاسة والحمامات والمزابل والقمامة والمقابر، وفي بيوت السحرة والمشعوذين الذين تقترن بهم الشياطين، وهم الذين ذكرهم تعالى بقوله: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانًا فهو له قرين).
هؤلاء السحرة والمشعوذون يمتهنون صناعة السحر والتسخير والحيلة والخفة والاستحضار والتنجيم والكهانة، ويمارسون الخداع والتمويه والتخييل والتضليل المنافي للواقع والحقيقة، وهذه الصناعة الخداعة تؤثر كثيرًا في عالم الطبائع الأربعة بسبب القوى الطبيعية، وهو يقترن بالتعامل مع الجن المذموم والنفوس الشيطانية الخبيثة. وأشهرها في مجتمعنا:
- الاستحضار وفتح المندل: وهو تلبيس النفس الشيطانية الخبيثة ببدن صبي أو امرأة وكشف المستور على لسانه، كما يحصل هذه الأيام بحجة كشف سرقة معينة أو البحث عن غرض ضائع وما شابه ذلك.
- الشعوذات الشيطانية والرصد: لتحقيق أغراض دنيئة كسحر الرجال لعشق النساء وبالعكس، أو بث الحقد والكراهية بين الزوجين أو بين الإخوة لتفريقهم، أو رصد أهل الحق لأذيتهم، ولا علاقة لها بالرقية والحكمة الإيمانية.
- التنجيم: وهو ادعاء علم النجوم، ويستعمل المنجمون أدوات وإيحاءات ووسائل غريبةً ليمتهنوا التنجيم والتبصير مدعين كشف المستور ومعرفة ما في النفوس والتنبؤ بالمستقبل ومعرفة توقيت الزلازل والكوارث والحروب.
- الكهانة: وهي علم الشيطان، وهي عمل يوجب طاعة القرين الشيطاني للساحر أو المشعوذ حتى يأتيه بالأخبار، ويدعي من خلاله رد الغائب ومعرفة ما تخفيه النفس والتنبؤ بالمستقبل، وقراءة الكف والأفكار والطالع، وغير ذلك مما هو منتشر هذه الأيام على يد المتمشيخين.
ونحن نرى انتشار هؤلاء هذه الأيام بقوة على الفضائيات أو الإنترنيت، كذلك نراهم كمتمشيخين على الأرض يدعون كذبًا وباطلاً الفراسة والمكاشفة والمشاهدة، ولكنهم محتالون كذابون لأنهم لا يمتلكونها.
أما عن طب الأعشاب فهو طب قائم محمود يسمى (الطب البديل) وله مزاياه الصحية على الجسم والنفس، ولا علاقة له بالسحر والشعوذة. وهناك الكثير من المرضى الذين يلجؤون إلى بعض من يمتهنون علاج المرضى بالأعشاب، وهذا جائز، ولكن حذار من الخلط ما بين طب الأعشاب والبرهان، فنجاح العلاج لا يعني أبدًا أن يتم نسب البرهان للقائم بالمعالجة. لذلك ينبغي على من شفي من مرض بطب الأعشاب ألا يبالغ بجعل ذلك برهانًا وكرامةً لمن عالجه فيضعه بمراتب الأولياء، لأن هذا ضرب من الجهل.
كذلك حذار من جعل السحرة والمشعوذين بمراتب الأولياء نتيجة خداعهم للجهلة والمغفلين، بل يجب محاربة هؤلاء السحرة والمشعوذين وتنبيه عموم الناس منهم، لأنهم يستغلون ضعف الناس وبساطتهم وتقديسهم لرجال الدين لينالوا غاياتهم الدنيئة في جمع المال حشا الله بطونهم نارًا.
نكتفي لعدم الإطالة والله أعلم
الباحث الديني العلوي الدكتور أحمد أديب أحمد
لتحميل نسخة بتنسيق PDF انقر هنا