علوم علوية

سبب البلايا والمحن

سبب البلايا والمحن

بقلم: الدكتور أحمد أديب أحمد

 

عندما تسأل: ما هو سبب البلايا والمحن التي تقع بأبناء المجتمع؟ يجيبك الأكثرية دون دراية: من ذنوبهم!!! فما هي ذنوبهم يا ترى؟

 

يقول الإمام جعفر الصادق علينا سلامه: (أيما رجل من أتباعنا أتى رجلاً من إخوانه فاستعان به في حاجته فلم يعنه وهو يقدر إلا ابتلاه الله بأن يقضي حوائج غيره من أعدائنا، ويعذبه الله عليها يوم القيامة).

هذا الجواب كاف لمن أراد أن يعرف السبب الموجب للعقوبة بحق المقصرين في حقوق المرسلين، وله ظاهر يتعلق بالإعانة المادية للفقراء والمحتاجين، والإعانة العملية من خلال خدمة صاحب المنصب لإخوانه، وله حقيقة تتعلق بالإعانة العلمية، حيث أن تقصير بعض المشايخ بحق طلاب العلم ومنعهم من حقوقهم وهم يقدرون على تعليمهم سيؤدي بهم للتذلل لأعداء الحق لنيل مطالبهم الدنيوية.

وهذا التقصير في أداء الحقوق له نتائجه على حياتنا، فبالنظر إلى قول سيدنا رسول الله (ص) نفهم كل ما يجري، حيث يقول: (خمس إن أدركتموهن فتعوذوا بالله منهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط فأعلنوها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، ولم يمنعوا الزكاة إلا منعوا القطر من السماء، ولم ينقضوا عهد الله وعهد الرسول إلا سلط الله عليهم عدوهم وأخذ بعض ما في أيديهم، ولم يحكموا بغير ما أنزل الله إلا جعل الله عز وجل بأسهم بينهم).

فأما قوله (ص): (لم تظهر الفاحشة في قوم قط فأعلنوها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا)، فلا توجد فاحشة أعظم من معاداة السادة الرسل وأهل الحق وأذيتهم.

وأما قوله (ص): (ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان)، فالسنين تعني القحط، وإنقاص المكيال هو الغلو بالإنقاص والتفريط بمقام الأئمة والأنبياء والرسل (ع)، وذلك بنفي العصمة عنهم، وإنقاص الميزان هو التعطيل، وهو إنكار للتجلي الإلهي في السماء أو في الأرض، ومن أنكر تجلي الله سماءً أو أرضًا فكأنما أنكر الله مطلقًا، لقوله تعالى: (قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين)، وقوله سبحانه: (ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب).

وأما قوله (ص): (ولم يمنعوا الزكاة إلا منعوا القطر من السماء)، فالزكاة لها وجهان: مادية نقدية، ومعنوية علمية.

وأما قوله (ص): (ولم ينقضوا عهد الله وعهد الرسول إلا سلط الله عليهم عدوهم وأخذ بعض ما في أيديهم)، فنقض العهد هو إفشاء الأمر، وقد أمرنا بالوفاء بالعهد بقوله تعالى: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون)، ولكن ما حدث من إفشاء الأمر وإذاعته من قبل الجاحدين حسب تعبير الإمام جعفر الصادق علينا سلامه في قوله: (إن المذيع لأمرنا كالجاحد له)، جعله في يد الحشوية والمقصرة، وهؤلاء الذين أفشوا الأمر ونقضوا العهد لهم عذاب عظيم لقوله تعالى: (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار).

وأما قوله (ص): (ولم يحكموا بغير ما أنزل الله إلا جعل الله عز وجل بأسهم بينهم)، فالله تعالى أنزل علم التوحيد ليقر من يقر وينكر من ينكر فتقوم الحجة، فمن لم يحكموا بعلم التوحيد الحق إثباتًا وإفرادًا جعل الله بينهم نزاعًا مستمرا كالنزاع القائم بين المشبهين والمعطلين دون تحقيق ولا ثواب ولا أجر لقوله تعالى: (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون).

وتثبيتًا لما شرحناه أعلاه نورد عن سيدنا أبي حمزة الثمالي (ع) عن الإمام محمد الباقر علينا سلامه أنه قال: وجدنا في كتاب رسول الله (ص) أنه قال: (إذا ظهر الزنى من بعدي كثر موت الفجأة، وإذا طففوا المكيال والميزان أخذهم الله بالسنين والنقص، وإذا منعوا الزكاة منعت الأرض بركتها من الزرع والثمار والمعادن كلها، وإذا جاروا في الأحكام تعاونوا على الظلم والعدوان، وإذا نقضوا العهد سلط الله عليهم عدوهم، وإذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار، وإذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر ولم يتبعوا الأخيار من أهل بيتي سلط الله عليهم شرارهم فيدعوا خيارهم فلا يستجاب لهم)، وهو بالضبط ما يحدث في هذه الأيام، حتى بات باب الإجابة للدعاء مغلقًا لكثرة الذنوب.

 

نكتفي لعدم الإطالة والله أعلم

الباحث الديني العلوي الدكتور أحمد أديب أحمد

لتحميل نسخة بتنسيق PDF انقر هنا

سـبب البلايا والمحن

‫6 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى