المنطق العلوي

دليل المنطق العلوي

دليل المنطق العلوي

بقلم الأستاذ المهندس:

أسامة حافظ عبدو

 

البيان الأكبر للمنطق العلوي هو قول الإمام علي (م): (الأول الذي لم يكن له قبل فيكون شيء قبله، والآخر الذي ليس له بعد فيكون شيء بعده، والرادع أناسي الأبصار عن أن تناله أو تدركه)، فالأزل عكس الأبد، والأول عكس الآخر، والأزل ما لا أول له لنفي الأولية، والأبد ما لا آخر له لنفي الآخرية، والسرمدية ما لا أول له ولا آخر، بدليل قول سيدنا المسيح (ع): (هو وحده لا ند له، لا بداية ولا نهاية له).

إن حقيقة وجود الحق قائمة بالمقابلة ولو بالمعنى الواسع، ولولاها لا تتحقق، والمقابلة لا تنفك عن صفات الموجود في جهة ومكان، وهذا لا يستلزم أن تكون ذاته ذات جهة ومكان؛ أي إن تجويز وجود الحق لا يستلزم التشبيه في منطقنا العلوي الذي يتفرد بفهم التوحيد المحفوظ في الكتاب المقدس كالبيان الذي جاء فيه: (إن السماوات انفتحت، فرأيت رؤى الله…. ولما رأيته خررت على وجهي، وسمعت صوت متكلم)، فالتوجه إلى السماوات من صفات السالك العارف الذي رأى التجليات فخر لوجهه لعجزه عن إدراك الجوهر، وسمع صوت متكلم للدلالة على المتكلم إثباتًا. فالدليل السلبي بعقيدة الآخرين هو نفي المتكلم، أما دليل المنطق العلوي فهو نفي الكلام عن جوهر المتكلم والفرق شاسع، لأن وجود الحق عند الآخرين يستلزم التشبيه لذاته، وهذا محال في منطقنا العلوي.

من جهة أخرى: إن وجود العلل مشترك بين كل الممكنات، بدليل ما ورد في الكتاب المقدس من بيان جاء فيه: (قد رأيت الرب جالسًا على عرشه، وكل جند السماء وقوف لديه)، فلابد للإثبات المشترك من علل متعددة وهي إما العدم أو الحدوث، وبما أن الحالتين لا تصلحان للواجب لذاته لأن ذلك أمر مستحيل، فإن صحة وجود العلل مشتركة بين كل الممكنات.

ومن يرجع إلى ما أثر عن الأنبياء والرسل (ع) سيقف على أن نهجهم في ذلك هو امتناع الإدراك، وأن الجوهر لا تدركه أوهام القلوب. فالإدراك هو الوصول وليس بمعنى الشهود، ولو أريد منه الشهود فإنما هو باعتبار قرينة المتعلق، فالشهود نوعان: شهود مع إحاطة، وشهود من غير إحاطة، والشهود مع الإحاطة هو المسمى بالإدراك، فنفي الإدراك عن المتجلي يعني الشهود من غير إحاطة، ولا يعني نفي الشهود له.

وقد تجلى الرب للجبل فرقانًا بإحدى حالاته، وهو أصفى من أن تكدر صفوه الشبهات، ومن قرأ ما ذكرنا بإمعان وتأمل، وقف على أن الحق مع منطقنا العلوي بدليل عقلي ونصي.

 

الأستاذ المهندس: أسامة حافظ عبدو

لتحميل نسخة بتنسيق PDF انقر هنا

دليل المنطق العلوي

‫2 تعليقات

  1. ان هذا البيان المحكم والسبك المتين من فضيلة الشيخ والسيد أسامة عبدو حفظه الله ورعاه لكفيل بإحداث ثغرة في الزمن وإيقاف مسار الأحداث عبر الأجيال لإعطائها المشهد الحقيقي لها وإطلاق الأحكام السليمة الصادقة عليها من بوابة المنطق العلوي الفلسفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى