علوم علوية

المحبة في الولاية العلوية

المحبة في الولاية العلوية

بقلم: الدكتور أحمد أديب أحمد

 

كيف يجب أن يعبر المؤمنون عن محبتهم؟ وما هو ثواب المصافحة بينهم، وهل لها دلائل دينية؟

 

إن أبرز صفات المؤمنين فيما بينهم المحبة في الله، فالمؤمن كما ورد عن الإمام الصادق علينا سلامه: (المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه، أبوه النور وأمه الرحمة)، والسبب في القرب الإيماني كما قال الإمام الصادق علينا سلامه أن: (أرواح المؤمنين واحدة خرجت من موضع واحد، وافترقت في أبدان شتى، وستعود إلى عنصرها، فلا فرق بين إخوانك وبينك)، لذلك كان حق المؤمن عظيمًا عند رب العالمين حيث قال الإمام الصادق علينا سلامه لسيدنا جابر الجعفي (ع): (يا جابر، إن حق المؤمن عظيم، لأن المؤمن حجاب الله بينه وبين الناس)، وجعل علينا سلامه: (خاتمة الإيمان رضى الإخوان)، وبذلك فكان الذنب الذي لا كفارة ولا توبة له هو البراء بعد الولاء، والشك بعد اليقين، والشرك بعد الإيمان، ومعاداة الإخوان كما ورد عن سادة العلويين النصيريين.

ولتحقيق هذه المحبة في الله وهذا القرب المعنوي لابد من التواصل والتلاقي، حيث ورد عن الإمام الصادق علينا سلامه: (يحق على المؤمنين الاجتهاد في التواصل، والتعاون على التعاطف، والمؤاساة لأهل الحاجة، وتعاطف بعضهم على بعض حتى يكونوا كما أمرهم الله عز وجل: “رحماء بينهم” متراحمين، مغتمين لما غاب عنهم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: لم التواصل والاجتماع فيما بينهم؟ وكيف يعبرون عنه؟

الجواب لمولانا أمير المؤمنين الإمام علي (م) حيث قال لجماعة من المؤمنين: (تجتمعون وتتذاكرون)؟ قالوا: بلى يا مولانا. فقال لهم: (إني لأمر بكم وأنتم على ذلك، فلولا أنكم تفتنون لظهرت فيكم شوقًا إلى حديثكم)، وهذا يدل على رقي مجالس المؤمنين الذين تجمعهم محبة الولاية العلوية، ويشهدون على ولاء بعضهم بالمصافحة فيما بينهم ليتطهروا من الذنوب، وهذا ما أكد عليه الإمام الباقر علينا سلامه حين قال لسيدنا أبي حمزة الثمالي (ع): (أما علمت أن المؤمن إذا جال جولةً ثم أخذ بيد أخيه نظر الله إليهما بوجهه فلم يزل مقبلاً عليهما بوجهه فيقول للذنوب أن تتحات عنهما، فتتحات كما يتحات الورق عن الشجر فيفترقان وما عليهما من ذنب).

فالمؤمنون إذ يجتمعون يطهرون أنفسهم بعلوم الإثبات والإفراد الخالصة من شوائب التشبيه وسموم التعطيل، فيرتقون بهذا التوحيد العلوي إلى صفة الرحماء في مجالس الذكر الحكيم حيث ورد عن سيدنا أبي حمزة الثمالي (ع) مرفوعًا إلى الإمام الصادق علينا سلامه أنه قال: (أتباعنا الرحماء بينهم، الذين إذا خلوا ذكروا الله، وإنا إذا ذكرنا ذكر الله، وإذا ذكر عدونا ذكر الشيطان)، لهذا تجد أول ما يبتدئ به المؤمن هو البراءة من الأضداد ليطهر نفسه من دنس الشيطان، لقوله تعالى: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون)، فمن لم يطهروا أنفسهم من دنس الشيطان كانوا من الذين (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون)، وأما الذين تطهروا كانوا من (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

وهذا التطهير من دنس الشيطان لا يقتصر على المجالس فحسب، بل يتعداه إلى الاعتقاد الدائم في كل لحظة بوجوب البراءة من أعداء الحق لقوله تعالى: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين)، وهذا ينعكس على تعامل الإخوة المؤمنين ومحبتهم وتعاضدهم، وهو ما نبه إليه الإمام الصادق علينا سلامه بقوله: (من ساوى بين أخيه المؤمن وبين عدوه الناصبي فقد كفر وأشرك بالله، ومن لم يمش في حاجة ولي الله ابتلاه الله بالسعي في حاجة عدو الله)، وهذا قانون ثابت وواضح، وتجب الإشارة هاهنا إلى أن الناصبي لا يعني طائفةً معينةً، بل قد يكون يهوديا أو مسيحيا أو سنيا أو شيعيا أو متشيعًا أو ملحدًا أو غير ذلك، لأن الناصبي هو من نصب العداء للنبي (ص) أو أمير المؤمنين الإمام علي (م) أو الأئمة المعصومين علينا سلامهم أو خواصهم من رسل الحق.

 

نكتفي لعدم الإطالة والله أعلم

الباحث الديني العلوي الدكتور أحمد أديب أحمد

لتحميل نسخة بتنسيق PDF انقر هنا

المحبة في الولاية العلوية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى