معاني قرآنية

الطيب والخبيث

الطيب والخبيث

بقلم: الدكتور أحمد أديب أحمد

 

ما هي الحكمة من وجود الباطل مع الحق، والخبيث مع الطيب؟

 

يقول تعالى في كتابه العزيز: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملاً خفيفًا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحًا لنكونن من الشاكرين، فلما آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون، أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون، ولا يستطيعون لهم نصرًا ولا أنفسهم ينصرون).

لقد شاء الحق اختبار الخلق، ليتميز المؤمن من العاصي، والطيب من الخبيث كما قال سبحانه: (ليميز الله الخبيث من الطيب). فالأنفس الطيبة من معدن واحد وهو النفس العاقلة، وهذا يحقق لهم الأخوة الإيمانية. ومن هذه الأنفس الطيبة صار زوجها المضاد لها، وهو الأنفس الخبيثة التي معدنها إبليس اللعين، فسكنت معها في هذه الدار الدنيا، وتغشتها بالتماثل بالهيئة البشرية، فحملت الأنفس امتزاج الطينتين، وكانت الدعوة مشتركةً لأن الدين تم إعلانه للجميع دون استثناء، وإظهار الإسلام كان واحدًا من قبل المؤمنين والمنافقين، لذلك جاء القول: (لنكونن من الشاكرين).

فالإيمان والكفر موجودان على الأرض بحكم التمازج والاختلاط في الطينتين. والخبيثون هم إبليس وأتباعه الذين (إن تدعوهم إلى الهدى) أي إلى موالاة الحق ومعرفته (لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون). والطيبون هم الأنبياء والرسل وأتباعهم المخلصون في قوله تعالى: (ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعًا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون). والتمييز يأتي بعد الاختلاط، لهذا كان ادعاء إبليس اللعين قائمًا بإزاء دعوة كل نبي، فكان معاندًا له بدليل قوله تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديًا ونصيرًا)، وذلك ليعرف الحق من الباطل، فكلما ظهرت ادعاءات إبليسية هدفها نشر الباطل، ظهرت دعوات نبوية ورسولية تدعو إلى الحق، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، ولولا هذا الصراع ما عرف الحق من الباطل. وقد جرى ذلك منذ ما قبل عهد سيدنا النبي آدم (ع) إلى عهد الإمام الحسن العسكري علينا سلامه، وسيبقى إلى يوم ظهور القائم المهدي المنتظر (ع).

وقد قال تعالى: (قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون، فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون)، فهؤلاء الضالون اتخذوا سادة الكفر والشرك أولياء من دون أئمة ورسل الحق، فظنوا أنهم مهتدون بكثرة صلاتهم وحجهم وزكاتهم وسائر أعمالهم، ولكنهم واهمون لأنهم لم يأخذوا من الدين إلا القشور، وجعلوه خاضعةً لرغباتهم وشهواتهم، فلم يقبلوا إشراق أشعة أنوار الحق العلوية لانهماكهم بالملذات الفانية، فصارت قلوبهم مقفلة وأعينهم مغمضة لا يؤثر بها الإشراق، ولا تستنير بنور العقل لخبثها وظلمتها، وصارت آذانهم لا تسمع كلمة الحق لعدم صفاء جوهريتها، مما سمح لإبليس اللعين أن يستولي عليهم، ويحجبهم عن إشراق نور العقل، ليركنوا إلى ظلمة الجهل مستحقين أشد العذاب، فلا عيونهم تبصر نور التجلي، ولا آذانهم تسمع توحيد الإله، ولا قلوبهم تصغي لمعرفة رسل الحق، فهم من دل عليهم قوله تعالى: (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين، ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون).

 

نكتفي لعدم الإطالة والله أعلم

الباحث الديني العلوي الدكتور أحمد أديب أحمد

لتحميل نسخة بتنسيق PDF انقر هنا

الطيب و الخبيث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى