علوم علوية

أشكال المنافقين

أشكال المنافقين

بقلم: الدكتور أحمد أديب أحمد

 

إذا كانت صفات المنافقين في أيام الأنبياء معروفةً فهي اليوم تختلط علينا بشكل كبير. فكيف نعرف المنافق بصفاته اليوم لنحذره أو نحذره؟

 

لقد ذكر الله تعالى المنافقين بصفات ظاهرة، فهم الذين يصدون عن الحق بدليل قوله تعالى: (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودًا)، وهم الذين يشكون بالله ويحملون على سوء الظن به من خلال التشكيك بوعده للمؤمنين بدليل قوله جل جلاله: (ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء)، وهم الذين تمسكوا بعلم الشرائع المحض وتركوا علم الحقائق فاستحقوا العذاب بقوله تعالى: (يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورًا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب)، وهم الذين يراؤون بعبادتهم أمام الناس بدليل قوله سبحانه: (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يرآؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً)، وقد وصفهم سيدنا النبي المسيح (ع) بقوله: (أتعلمون من هو المرائي: هو الذي يعبد بلسانه الله، ويعبد بقلبه الناس)، ومثواهم كمثوى الكفار لقوله عز وجل: (إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعًا).

ولكن لهم صفات خفيةً أشار إليها الله سبحانه بقوله: (وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم)؛ فالإشارة بقوله: (من الأعراب) إلى الخارجين عن ولاية الحق العلوي النصيري، الموصوفين بقوله تعالى: (الأعراب أشد كفرًا ونفاقًا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم)، فهم ليسوا من أبناء هذا البيت المحمدي الطاهر ولا يستحقون الدخول إليه ولا معرفة ما فيه، أما الإشارة بقوله: (أهل المدينة) فهم أهل مدينة رسول الله (ص) الذين دخلوا من باب ولاية أمير المؤمنين الإمام علي (م) ولكنهم مردوا أي عصوا بإنكارهم تعطيلاً وطغوا بشركهم تشبيهًا وجاوزوا حد الغاية إفراطًا وتفريطًا فلجوا في النفاق واستمروا عليه.

وقد أشار أمير المؤمنين الإمام علي (م) إلى صفات خفية لهم لنعرفهم بها: فمنها الهيبة في قوله (م): (الهيبة ترد عن الحق)، وهي الحذر الشديد من قول كلمة الحق، والذي يؤدي بالمنافق إلى قول الباطل تملقًا للمقصرة وخوفًا من المنخنقة.

ومنها المماطلة في قوله (م): (المماطلة تفرط في العمل حتى يقدم عليه الأجل).

ومنها الغرة في قوله (م): (الغرة تقصر بالمرء عن العمل)، وهي الغفلة في اليقظة، وتؤدي بصاحبها المقصر إلى اللهو عما هو واجب العمل من إعلاء كلمة الحق.

ومنها الفرح في قوله (م): (الفرح مكروه عند الله) وهو إغواء الدنيا بدليل قوله تعالى: (وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع)، وقوله سبحانه عن قارون اللعين: (إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين).

ومنها المرح في قوله (م): (المرح خبلاء) والمقصود بالخبل جنون العظمة في قوله تعالى: (ولا تمش في الأرض مرحًا إن الله لا يحب كل مختال فخور)، وكلا الفرح والمرح ناتج عن سوء المعتقد والانحراف نحو الشرك والإنكار.

ومنها اللجاجة في قوله (م): (اللجاجة بلاء لمن اضطرته إلى حمل الآثام) وهي عناد الجهال في خصومة أهل التوحيد الحق والتمادي فيها مما يزيد عليهم الآثام والذنوب.

ومنها التكاثر في قوله (م): (التكاثر لهو ولعب وشغل واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير)، وهو الانشغال بالأهواء التي تلهي عن العبادة لقوله تعالى: (ألهاكم التكاثر، حتى زرتم المقابر)، وليس المقصود به تكاثر الذرية من الأولاد، بل اللهو بتكاثر كل ما يتعلق بحب الدنيا من علوم الحشو الشرعية التي تعتبر سبيلاً لتكاثر المال والجاه والشهرة والسلطة.

ومنها الكبر في قوله (م): (من استكبر أدبر عن الحق)، والإدبار هو تحول الاتجاه وهو عكس الإقبال، ومن أدبر عن التوحيد الحق أقبل إلى باطل التشبيه والتعطيل.

ومنها الفخر في قوله (م): (من فخر فجر)، فالفخر هو التباهي بالنفس والمال والجاه والحسب والنسب إلى درجة التكبر وإظهار العظمة، ما يؤدي بصاحبه من أبناء بعض المشايخ إلى الفجور أي الفسق والتمادي في المعاصي.

ومنها الحمية في قوله (م): (من حمى أصر على الذنوب)، فالحمية هي قوة الغضب إذا ثارت، وهي ناشئة عن الجهل في العقيدة والحمق في الطبع، وهي عكس السكينة الناشئة عن علم التوحيد والمعرفة الربانية كما في قوله تعالى: (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليمًا).

ومنها العصبية في قوله (م): (من أخذته العصبية جار)، سواء كانت العصبية القبلية أو العشائرية أو المذهبية، وهي تؤدي إلى جور الإنكار وظلم الإشراك والميل عن قصد التوحيد.

حتى قال (م): (فبئس الأمر، أمر بين إدبار وفجور وإصرار وجور، على الصراط)؛ يعني بئس الأمر على صراط التوحيد المستقيم، فمن اتصف بصفات المنافقين هذه حاد عن صراط التوحيد المستقيم إلى انحرافات التشبيه وسقطات التعطيل.

 

نكتفي لعدم الإطالة والله أعلم

الباحث الديني العلوي الدكتور أحمد أديب أحمد

لتحميل نسخة بتنسيق PDF انقر هنا

أشكال الـمنافقين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى